للحج أركان لا بُدَّ من الإتيان بها ليُعدَّ الحجُّ صحيحاً، وقد بيّن السادة الفقهاء في المذاهب الفقهيّة الأربعة هذه الأركان وعددها، وعدّوا من تركَ أحدَ هذه الأركان أنَّ حجه باطلاً،[١] وفي هذا المقال بيانٌ لأركان الحج حسب المذاهب الفقهيّة الأربعة وما يتعلق فيها.
أركان الحج
أركان الحج عند الشافعيّة
إنَّ أركان الحج عند الشافعيّة عددها خمسة، وهي:[٢]
• الإحرام.
• الوقوف بعرفة.
• طواف الإفاضة.
• السعي بين الصفا والمروة.
• الحَلق أو التقصير.
ويكونُ الإحرام عند الشافعيّة بعقد النيّة للحج، دون اشتراط قرنها بالتلبية، والسببُ في ذلك أنهم يعتبرونها ذِكراً من الأذكار،[٣] وأمّا الحلق فيكونُ بأخذ جميع شعر الرأس، ويجزئ أخذُ ربعه إلا أنَّهم عدّوا ذلك مكروهاً، ويُجزئ التقصير من الشعر بقص جزءٍ من جميع أطرافه، ودليلهم في ذلك قول الله -عز وجل-: (مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)،[٤] وقد أجمعُ أهلُ العلم أنَّه لا يجوزُ الجمعُ بين الحلق والتقصير، وعدّوا الحلقَ أفضل، حيث أخرجَ الإمامُ مسلم في صحيحه عن أم الحصين الأحمسيّة-رضي الله عنها- أنَّها قالت:(سَمِعَتِ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً)،[٥] ولا بُدَّ من الإشارة إلى أنَّ الفقهاء غير الشافعيّة عدوا الحلق والتقصير من واجبات الحج ولم يعتبرونهما رُكناً من أركانه.[٦]
أركان الحج عند الحنفيّة
إنَّ أركان الحج عند الحنفيّة رُكنان، وتالياً بيانهما:[٧]
- الوقوف بعرفة.
- معظم طواف الإفاضة؛ فالطواف سبعة أشواط، فإنَّ أتمَّ الحاج أربعة أشواط فقد جاء بالرُكن؛ وعليه الفديّة ليجبرَ الباقي.
- وأمّا الوقوف بعرفة فإنَّهم عدّوه ركن الحج الأعظم؛ فالله سبحانه وتعالى قد أتمَّ على أمة الإسلام فيه بنعمة عظيمة، فقال الله-عز وجل-:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)،[٨] ويبدأُ الوقوف بعرفة من طلوع فجر التاسع من ذي الحجة إلى طلوع فجر يوم النحر، ويصّحُ الوقوف فيه سواءً بالليل أو بالنهار، وقد بيّن العُلماء فترة الوقوف المُجزئة وهي من زوال شمس التاسع من ذي الحجة حتى غروبها، بغض النظر عن كيفية الوقوف، ويستحبُ فيه الاغتسال والإكثارُ من الدعاء، وسائر العبادات، وأمّا موقعَ الوقوف فهو شاملٌ لكل عرفات؛ وذلك مصداقاً لقول النبي-صلى الله عليه وسلم- :(عرَفَةُ كُلُّها مَوقِفٌ، وارتَفِعُوا عن بطْنِ عُرَنَةَ)،[٩][٦]
- ومما يستدلُ به أنَّ الوقوف بعرفة ركن قول النبي-صلى الله عليه وسلم- : (الحجُّ عرفةُ، من جاءَ ليلةَ جمعِ قبلَ طلوعِ الفجرِ فقد أدركَ الحجَّ )،[١٠] ويقصدُ بليلة الجَمع: ليلة مزدلفة، والوقوف ولو للحظة واحدة في عرفة خلال الوقت المحدد يحققُ ركن الوقوف، وأمّا الطواف فقد استدلوا عليه بقول الله-عز وجل- :( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)،[١١] وكذلك قول النبي-صلى الله عليه وسلم- عندما أخبر عن حيض صفيّة -رضي الله عنها- فقال:(أَحَابِسَتُنَا هي؟ قالَتْ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّهَا قدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ وَطَافَتْ بالبَيْتِ، ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الإفَاضَةِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: فَلْتَنْفِرْ)،[١٢] ومما يستدلُ به من الحديث أنَّ الحج لا يتم إلا بالطواف ويكون بعد الوقوفِ بعرفةَ والمزدلفة.[١٣]
أركان الحج عند المالكيّة
إنَّ أركان الحج عند المالكيّة أربعة أركان، وهي:[١٤]
- الإحرام.
- الوقوف بعرفة.
- طواف الإفاضة.
- السعي بين الصفا والمروة .
- وقد قالوا أنَّ الحجَّ لا يصح ويعتبرُ باطلاً إن لم يؤدى الركنين وهما: الإحرام والوقوف بعرفة، وأمَّا عن طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة، فإنَّ الحجَّ يُعدُّ صحيحاً إن فُوِّتا ويجوز أداؤهما ولو بعدَ عام،[١٤] ولا بُدَّ من الإشارة هنا أنَّ المقصودَ بالإحرام هنا نيّةُ الدخول في النسك، والالتزام بحُرمات مخصوصة لا يجوز للحاجِ أن يأتيَ بها، ويتمُّ الدخول بالإحرام بالنيّة والتجرّد من المخيط عند الإحرام، وبالرغم من أنَّ النيّة محلها القلب إلا أنَّه يفضّلُ النطقُ بها وذلك تجنباً للسهو،
- ويجبُ على الحاج عند المالكيّة أن يعقدَ النية وأن تكونَ مقترنةً بقولٍ أو عمل يدلُ على إرادة نُسك الحاج؛ كالتلبية، أو أن يسيرَ في الطريق، وذلك لترتبِ فديةٍ على ترك التلبية،[١٥] وأمّا بالنسبة للسعي بين الصفا والمروة فإنَّ تعريفه: قطعُ المسافة التي تقع بين الصفا والمروة سبعَ مرات، وهو نسكٌ من الحج والعُمرة.[١٦]
أركان الحج عند الحنابلة
إنَّ أركان الحج عند الحنابلة أربعة أركان، وهي:[١٧]
- الإحرام: ولا يصحُ الحج من غير نية الدخول في النسك.
- الوقوف بعرفة: فلا يعدُّ الحجُّ صحيحاً إن لم يقف الحاج بعرفة، لِما ورد عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي -رضي الله عنه- أنّه قال: (شَهِدْتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بعَرفةَ وأتاهُ ناسٌ من نَجدٍ، فأمَروا رجلًا، فسألَهُ عنِ الحجِّ، فقالَ: الحجُّ عرفةُ).[١٨]
- طواف الإفاضة: فإن تركه الحاجّ وأتى بغيره من الأركان، وخرج من مكّة مسافةً يجوز فيها قَصْر الصلاة، يجوزُ له الرجوع إلى مكّة مُعتمِراً، فيُؤدّي أعمال العمرة، ثمّ يطوفُ طوافَ الإفاضة، ولكن تجبُ عليه الفدية.
- السَّعي بين الصفا والمروة: فلا يعدُّ الحج صحيحاً إلا بالسعي بينهما، وقد استدلوا على ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن الصفا والمروة فقالت: (قدْ سَنَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ الطَّوَافَ بيْنَهُمَا، فليسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بهِمَا).[١٩]
المراجع
- ↑ نداء الإيمان، الفقه الإسلامي/حكم حج من ترك شيئاً من هذه الأركان:/i582&d919214&c&p1 "كتاب موسوعة الفقه الإسلامي"، موقع نداء الإيمان، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2021. بتصرّف.
- ↑ النووي، المجموع شرح المهذب، صفحة 265. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2181. بتصرّف.
- ↑ سورة الفتح، آية:27
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم الحصين الأحمسية، الصفحة أو الرقم:1303، صحيح.
- ^ أ ب د. عبدالحسيب سند عطية و د. عبدالمطلب عبدالرازق حمدان (10/5/2014)، "أركان الحج وواجباته"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2021. بتصرّف.
- ↑ أحمد حطيبة، شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة، صفحة 12. بتصرّف.
- ↑ سورة سورة المائدة، آية:3
- ↑ رواه صحيح الجامع، في الالباني، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:4006، صحيح.
- ↑ رواه الالباني، في صحيح الترمذي، عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي، الصفحة أو الرقم:889، صحيح.
- ↑ سورة الحج، آية:29
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1211، صحيح.
- ↑ إسلام ويب، "أركان الحج وواجباته وسننه"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2021.
- ^ أ ب النفراوي، كتاب الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، صفحة 352. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2181. بتصرّف.
- ↑ الدرر السنية، "تعريف السعي بين الصفا والمروة"، الدرر السنية الموسوعة الفقهية، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2021. بتصرّف.
- ↑ البهوتي، كتاب شرح منتهى الإرادات دقائق أولي النهى لشرح المنتهى، صفحة 596. بتصرّف.
- ↑ رواه الالباني، في صحيح النسائي، عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي ، الصفحة أو الرقم:3044، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1277، صحيح.