الحجُّ فريضةٌ فرضها الله -جلَّ جلاله- على عباده مرّةً واحدة،[١] وهو ركنٌ من أركان الإسلام، لِما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر -رضيَ الله عنهما- عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ)،[٢] وللحجِّ مواقيت مكانيّة وزمانيّة، فهو عبادة مفروضة في زمن مخصوص، وفي مكان مخصوص، والمواقيت الزّمانية: هي الأوقات التي لا يصحّ شيء من أعمال الحجِّ إلا فيها،[٣] ولذلك فإنَّ للحجِّ أشهراً محددةً، لا يصحّ الإحرام إلا بها، وأداء المناسك متعلّق بها وقتاً،[٤] حيث قال الله سبحانه وتعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)،[٥] فما هي أشهر الحجّ التي لا يكون الحجّ إلا في وقتها؟


أشهرُ الحجِّ

اختلف الفقهاء في تحديد أشهر الحجِّ على ثلاثة أقوال، وسبب خلافهم يرجع إلى تفسيرهم لقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)،[٦] وذلك على النّحو التالي:


القول الأول

قال جمهور الفقهاء من الحنفيّة والحنابلة أنَّ أشهر الحجِّ هي: شوَّال، وذو القَعْدةِ، وعَشْرٌ من ذي الحِجّة،[٧] فاليوم العاشر من ذي الحجّة (وهو أول أيام عيد الأضحى)، داخل في أشهر الحج؛ حيث جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ويومُ الحجِّ الأكبر يوم النّحر)،[٨] ففيه ركن من أركان الحجِّ؛ وهو طواف الزّيارة، والكثير من أعمال الحج، ولأنَّ الحجَّ يفوت بمضي عشر ذي الحِجّة، فالتّعبير عن الزّمن بالجمع في قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)،[٩] المراد منه شهرين وبعض الثّالث.[١٠]


القول الثّاني

قال الشّافعيّة أنَّ أشهر الحجِّ هي: شوَّال، وذو القَعْدةِ، وتسعةٌ من ذي الحِجّة،[١١] أي أنَّ اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم النحر غير داخلٍ في أشهر الحج، ودليلهم ما روي في الحديث عن عروة بن مضرس الطائي قال: (أتيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بالموقِفِ يعني بجَمْعٍ قُلتُ جئتُ يا رسولَ اللَّهِ من جبلِ طيِّئٍ أكْلَلتُ مَطيَّتي وأتعَبتُ نَفسي واللَّهِ ما ترَكْتُ من حَبْلٍ إلَّا وقَفتُ عليهِ فَهَل لي من حَجٍّ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ من أدرَكَ معَنا هذهِ الصَّلاةَ وأتى عرفاتَ قبلَ ذلِكَ ليلًا أو نَهارًا فقد تمَّ حجُّهُ وقَضى تَفثَهُ)،[١٢] فدلّ الحديث أنَّ النّبي -صلّى الله عليه وسلم- جعل آخر وقت لإدراك الحج والوقوف بعرفة قبل طلوع فجر اليوم العاشر من ذي الحجة.


القول الثالث

قال المالكيّة أنَّ أشهر الحجِّ هي: شوَّال، وذو القَعْدة، وذو الحِجّة، وذلك لعموم قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)،[١٣] فيجب أن تطلق الأشهر على جميع أيام شوال، وذي القعدة، وذي الحجة؛ لأنَّ أقل الجمع ثلاثة، فيبتدأ الإحرام من أول ليلة من شوال إلى قبل فجر يوم النحر وهو بعرفة، فمن فعل ذلك فقد أدرك الحج؛ لأن الركن وقوف المحرم في عرفة، وقد حصل،[١٤] ومع أنَّ المالكيّة يجعلون شهر ذي الحِجّة كلّه من أشهر الحج، فإنّما يريدون بذلك آخر وقت التحلل من الإحرام وهو إلى آخر يوم من شهر ذي الحجّة، أمّا وقت الإحرام فيبدأ من شهر شوال إلى فجر يوم النّحر.[١٥]


المراجع

  1. علاء الدين السمرقندي، تحفة الفقهاء، صفحة 379. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:8، صحيح.
  3. كمال السيد سالم، فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 169. بتصرّف.
  4. ابن الرفعة، كفاية النبيه في شرح التنبيه، صفحة 77. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية:197
  6. سورة البقرة، آية:197
  7. هيئة أبحاث كبار العلماء، مجلة البحوث الإسلامية، مجلة البيان، وآخرون، الموسوعة الفقهيّة الكويتية، صفحة 261. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:3177، صحيح.
  9. سورة البقرة، آية:197
  10. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 122. بتصرّف.
  11. محمد بن موسى الدميري، النجم الوهاج في شرح المنهاج، صفحة 24. بتصرّف.
  12. رواه الألباني، في صحيح أبي داوود، عن عروة بن مضرس، الصفحة أو الرقم: 1950، صحيح.
  13. سورة البقرة، آية:197
  14. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 121. بتصرّف.
  15. هيئة أبحاث كبار العلماء، مجلة البحوث الإسلامية، مجلة البيان، وآخرون، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 49. بتصرّف.