اتجاه الطواف حول الكعبة

بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- اتجاه الطواف حول الكعبة بفعله وأداء نُسكه؛ إذ يجب على الطائف أن يسير عن يمين الكعبة المشرفة، ويجعل يساره لجانب الكعبة؛ وهو شرط لصحة الطواف باتفاق جمهور الفقهاء.[١]


إذ إنّ الطائف أول ما يبدأ بطوافه هو استلام الحجر الأسود مع التكبير؛ فإن تمكن من تقبيله قبّله، وإن لم يتمكن من ذلك أشار إليه بيده أو بشيء مما يحمله بيده؛ ثم بعد ذلك يستدير إلى جهة اليمين، ويجعل الكعبة المشرفة عن يساره، ثم يبدأ بالطواف، وهذه الاستدارة عن اليمين، وجعل الكعبة عن اليسار هي ما تجعل الطواف صحيحاً -بالإضافة إلى الأركان الأخرى-؛ فإن عكس الطائف تجاه طوافه فلا يصحّ الطواف على هذا النحو.[١]


الحكمة من اتجاه الطواف حول الكعبة

اجتهد بعض أهل العلم في إيجاد التعليلات والحِكم المترتبة على جعل اتجاه الطواف حول الكعبة عن يسار الطائف؛ فكان مما توصلوا إليه ما يأتي:[٢]

  • إنّ الذي يطوف حول الكعبة مُؤْتمٌ بها؛ كما في صلاة المسلم الواحد جماعة مع الإمام، حيث يجعل الإمام عن يساره.
  • قيل لأنّ قلب الإنسان يقع في الجانب الأيسر؛ لذا كان تجاه الطواف موافقاً لمكان القلب ليكون أقرب؛ وهذا مصداق لقوله -تعالى-: (... فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ...).[٣]
  • قيل أيضاً: "إنّ جهة اليسار من القلب هي محل الروح ومنبعه، ومنه ينبعث في الشريان الأعظم المسمى بالأبهر إلى جميع الجسد، ولذلك نجد حركة النبض في الجهة اليسرى، والروح أشرف ما في الجسد، فجعل ذلك الشق مواجهاً للبيت الشريف؛ ليكون الإقبال على بيت الله بما هو أشرف".
  • إنّ البدء بالطواف على هذه الهيئة يجعل الطائف يبدأ طوافه من باب الكعبة المشرفة؛ وفي هذا اتباع لقوله -تعالى-: (... وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا...)،[٤] ولو كان الطواف عكس ذلك لكان الإعراض عن باب البيت، وهذا مما لا يليق مع هذه الوجهة الشريفة.


وقد قيل غير ذلك من التعليلات التي لها وجه من الصحة والاعتبار والنظر، والتي تقوم على أساس احترام وتعظيم الكعبة المشرفة؛ ولكن الأنسب والأقوم من هذا كلّه أن يُقال: إنّ اتجاه الطواف حول الكعبة أمر تعبديّ، لم يرد في الحكمة منه نص صريح صحيح؛ لذا نتبع في ذلك هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي طاف حول الكعبة بهذه الطريقة، والذي كان يحبّ التيامن في أموره كلّها.[٢]


حكم الترتيب في الطواف

والمقصود بالترتيب في الطواف جعل الكعبة عن يسار الطائف في أثناء الطواف؛ ولقد ذهب جمهور أهل العلم -كما أشرنا-، من المالكيّة والشافعيّة والحنابلة والظاهريّة؛ إلى أنّ الترتيب شرط لصحة الطواف؛ وقد استدلّ الجمهور بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ...)،[٥] وفي رواية أخرى: (خُذُوا عني مَناسِكَكم...).[٦][٧]


ولمواظبته -صلى الله عليه وسلم- على هذا الفعل؛ إذ لم يرد عنه الطواف على عكس هذه الهيئة، وأضاف ابن حزم أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لمّا علّم الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- الخبب في الطواف؛ علّمهم من أين يبدأون طوافهم، وعلى أي اتجاه.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب علي الرملي، فضل رب البرية في شرح الدرر البهية، صفحة 263. بتصرّف.
  2. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 241-243، جزء 44. بتصرّف.
  3. سورة إبراهيم، آية:37
  4. سورة البقرة، آية:189
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1297، صحيح.
  6. رواه ابن الملقن، في البدر المنير، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:183، إسناده صحيح.
  7. ^ أ ب محمد سليمان الأشقر، أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية، صفحة 389-390، جزء 1. بتصرّف.