حكم الطواف بدون إحرام

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ الطواف له عدّة أنواع؛ كطواف الزيارة، وطواف العمرة، وطواف النّذر، طواف تحيّة المسجد الحرام، وطواف التّطوع، وقد وافق الشافعيّة الجمهور في بعض هذه الأنواع؛ وعليه فإنّه يجوز للمسلم أن يطوف بالكعبة المشرّفة دون الحاجة لإحرام؛ إذ إنّ طواف التّطوع لا يختصّ بزمان دون زمان؛ ويجوز حتى في أوقات الكراهة عند جمهور الفقهاء، كما يُشرع للمسلم أن يطوف طواف تحيّة المسجد الحرام عند دخوله إن لم يكن عليه طواف واجب، ويلزم عند الشروع فيه -عند بعض الفقهاء- عقد النيّة.[١]


وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يطوفون بالبيت الحرام بغير حجّ أو عمرة، واتبعهم السلف في ذلك خلفاً من بعد خلف دون معارضة أو خلاف؛ مع الحثّ على الإكثار من التطوّع بالطواف والترغيب فيه، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ طافَ بِهذا البيتِ أُسْبُوعًا، فأَحْصاهُ كان كَعِتْقِ رَقَبَةٍ... ولا يَضَعُ قَدَمًا، ولا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلَّا حَطَّ اللهُ عنْهُ خَطِيئَتَهُ وكُتِبَ له بِها حَسنةٌ).[٢][٣]


حكم الطواف دون لبس ملابس الإحرام

بناءً على ما تقدّم في الفقرة السابقة، من القول بمشروعيّة الطواف من غير الإحرام؛ أجاز أهل العلم الطواف بالملابس العاديّة، دون الحاجة لارتداء ملابس الإحرام؛ فيجوز للمسلم الطواف بالبيت بالملابس الطاهرة الساترة، دون أن تكون إزاراً أو رداءً، ويجوز هذا في كل طواف لم يكن على سبيل النُسُك من حجٍّ أو عمرة.[٤]


حكم الطواف أقل من سبعة أشواط تطوعاً

تعددت أقوال الفقهاء في حكم الطواف أقل من سبعة أشواط لمن بدأ بها على سبيل التطوّع والتنفل؛ ويمكن بيان ذلك على النحو الآتي:

  • ذهب المالكيّة،[٥] والشافعيّة -في المعتمد عندهم-؛[٦] إلى أنّ ذلك التطوع بأقل من سبعة أشواط لا يُجزئ؛ فعند المالكيّة أنّ أعمال الطاعات التي يبتدأ بها المسلم لا يجوز له أن يقطعها دون أن يُتمّها، إلا إذا أصابه عذر كالمرض أو ما يطرأ للناس عادةً من الأعذار الأخرى؛ قال الإمام مالك: "... وَإِذَا دَخَلَ فِي طَوَافٍ لَمْ يَقْطَعْهُ حَتَّى يُتِمَّ سُبُوعَهُ -أيّ سبعة أشواط-...".[٥]
  • ذهب الحنفيّة إلى أنّ إتمام الطواف بسبعة أشواط لا يلزم؛ إذ جاء في كتبهم: "... وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَا أَرَادَ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ لِلْغُرَبَاءِ -أيّ لغير أهل مكة المكرمة-...".[٧]


أمّا في حال كان الطواف واجباً فمذهب الجمهور أنّه لا يُجزئ الطواف بأقل من سبعة أشواط؛ استدلالاً بقوله -تعالى-: (... وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)،[٨] فصيغة الأمر بالطواف هنا جاءت على سبيل التكثير، والتي يُستفاد منها أن تكون سبعة أشواط، كما قالوا بأنّ مقادير العبادات لا تُعرف بالرأي والاجتهاد؛ إنّما بالدليل أو النص؛ والنبي -صلى الله عليه وسلم- طاف بالبيت سبعاً في أداء نُسُكه من حجٍ وعمرة.[٩]


وقد خالف الحنفيّة الجمهور، وقسّموا الأشواط السبعة إلى ركنيّة؛ وهي أكثر هذه السبعة، وإلى واجبة؛ وهي الأقل الباقي، فيجوز عندهم الطواف بأكثر عدد ممكن من الأشواط، ولا يُشترط أن تتمّ السبعة كاملة، على اعتبار أنّ الإتيان بأكثر الطواف يقوم مقام الباقي، الذي لم يُؤتَ به.[٩]

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 121-123، جزء 29. بتصرّف.
  2. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:959، حسن.
  3. "مشروعية الطواف في غير حج أو عمرة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 2/5/2023. بتصرّف.
  4. حسن أبو الأشبال، شرح صحيح مسلم، صفحة 40، جزء 27. بتصرّف.
  5. ^ أ ب أبو الوليد الباجي، المنتقى شرح الموطإ، صفحة 69، جزء 2. بتصرّف.
  6. الجمل، حاشية الجمل على شرح المنهج فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب، صفحة 427، جزء 2. بتصرّف.
  7. عبد الرحمن شيخي زاده، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، صفحة 274، جزء 1. بتصرّف.
  8. سورة الحج، آية:29
  9. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 124، جزء 29. بتصرّف.