طواف الإفاضة ركن من أركان الحج

أجمع الفقهاء على أنّ طواف الإفاضة ركن من أركان الحجّ؛ ولا يتحلل الحاجّ التحلل الأكبر دون أدائه، ولا ينوب عنه شيء في الأداء، ويؤديه الحاجّ يوم العيد؛ وذلك بعد أن يفيض من عرفات، ويبيت بمزدلفة، ثم يأتي منى يوم العيد؛ ويرمي الجمرات، وينحر، ويحلق، وبعد ذلك كلّه يأتي مكة المكرمة، فيطوف فيها طواف الإفاضة.[١]


وإن أخّر الحاج هذا الطواف إلى ما بعد يوم العيد، وفعله في أيام التشريق أجزأه ذلك، ولا دم عليه بالإجماع؛ المهم أن يطوفه قبل مغادرة مكة المكرمة، حتى يتحلل التحلل الأكبر،[٢] ويُسمّى طواف الإفاضة بطواف الفرض، وطواف الركن؛ نظراً لفرضيّته وركنيته في الحجّ،[١] ودليل ذلك قوله -تعالى-: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)؛[٣] إذ عدّ الفقهاء أنّ طواف الإفاضة هو المقصود بالآية الكريمة.[٤]


أمّا من السنة النبوية؛ فقد ثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، أنّ صفية بنت حيي أم المؤمنين حاضت بعد أن أفاضوا يوم النحر؛ فلمّا علم النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك قال: (... حَابِسَتُنَا هي؟ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أفَاضَتْ يَومَ النَّحْرِ، قالَ: اخْرُجُوا)؛[٥] وفي الحديث دلالة على أنّ المرأة إذا حاضت قبل طواف الإفاضة تنتظر حتى تطهر لتطوفه وتتحلل، وهذا يدلّ على أن طواف الإفاضة ركن من أركان الحجّ، وأنّه حابس لمن لم يأتِ به.[٤]


أول وقت لطواف الإفاضة

تعددت أقوال الفقهاء في تحديد أول وقت لطواف الإفاضة؛ ويمكن بيان أقوالهم على النحو الآتي:[٦]

  • ذهب الحنفيّة إلى أنّ وقت طواف الإفاضة يبدأ من فجر يوم النحر إلى آخر العمر بعد الوقوف بعرفة، فمتى ما وقف الحاجّ بعرفة كان له أن يطوف طواف الإفاضة؛ فإن لم يقف الوقوف الصحيح، بطل طوافه ولم يصحّ حجّه.
  • ذهب المالكيّة إلى أنّ وقت طواف الإفاضة يبدأ من يوم النحر إلى آخر شهر ذي الحجّة؛ فلا يصحّ عندهم طواف الإفاضة قبل يوم العيد -يوم النحر.
  • ذهب الشافعيّة إلى أنّ وقت طواف الإفاضة يبدأ بعد منتصف الليل من ليلة النحر، وأفضل وقته يوم النحر، ولا آخر لوقت أداء طواف الإفاضة عندهم.
  • ذهب الحنابلة إلى أنّ وقت طواف الإفاضة يبدأ من نصف ليلة النحر لمن وقف بعرفة؛ فلا يصحّ هذا الطواف قبل الوقوف بعرفة، ومن طاف قبل الوقوف بطل حجّه، كما وافقوا الشافعيّة بالقول أنّ لا حد لآخر وقت يُؤدى فيه طواف الإفاضة.


تأخير طواف الإفاضة عن أيام التشريق

أشرنا سابقاً أنّ جمهور الفقهاء قالوا بعدم تحديد آخر وقتٍ لأداء طواف الإفاضة، بخلاف المالكيّة الذين نصّوا على التحديد بآخر شهر ذي الحجّة، ومع ذلك فقد تعددت أقوال أهل العلم في حكم تأخير الحاجّ لطواف الإفاضة عن أيام التشريق، وما يترتب على هذا التأخير؛ وتالياً تلخيص ما ذهبوا إليه:[٧]

  • كره الحنفيّة -كراهة تحريميّة- تأخير طواف الإفاضة عن أيام النحر ولياليها؛ وهي يوم العيد ويومان بعده، ويلزم الحاجّ دم لتركه واجب أداء طواف الإفاضة في وقته.
  • ذهب المالكيّة إلى القول بلزوم الدم على من أخّر طواف الإفاضة، حتى خرجت أيام التشريق، وهي الأيام الثلاثة التالية ليوم العيد.
  • كره الشافعيّة تأخير طواف الإفاضة عن يوم النحر؛ فكان تأخيره عن أيام التشريق أشدّ كراهة، وتأخيره عن الخروج من مكة أشدّ.
  • أجاز الحنابلة تأخير طواف الإفاضة عن أيام التشريق، ولا يلزم الحاجّ بذلك شيء؛ لأنّ لا حدّ لوقته.

المراجع

  1. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 122، جزء 29. بتصرّف.
  2. صديق حسن خان، الدرر البهية والروضة الندية والتعليقات الرضية، صفحة 114، جزء 2. بتصرّف.
  3. سورة الحج، آية:29
  4. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، موسوعة الفقه الإسلامي الأوقاف المصرية، صفحة 219-220، جزء 17. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1733، صحيح.
  6. عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 589-590، جزء 1. بتصرّف.
  7. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 12، جزء 10. بتصرّف.