حكم الوقوف بعرفة

الوقوف في عرفة للحاجّ ركنٌ من أركان الحجّ، ويفوت الحجّ بفواته، فلا يصحّ إلا به، ويدلّ على ذلك:[١]

  • من القرآن

قول الله -تعالى-: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)،[٢] ووجه الاستدلال هو أنّ قول الله -تعالى-: "فإذا أفضتم" يدلّ على أنّ الوقوف بعرفة للحاجّ أمرٌ مسلَّمٌ لا بدّ منه، ثمّ يكون بعده الوقوف بمزدلفة.


  • من السنة

قول عروة الطائي للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسولَ اللهِ، جئتُ مِن جبلي طيٍّ، أذللتُ مَطِيَّتي، وأتعبتُ نفسي، واللهِ ما تركتُ مِن جبلٍ إلا وقفتُ عليه، هل لي مِن حجٍّ"؟ فقال له النبي الكريم: (مَن شَهِدَ صلاتَنا هذه، ووَقَفَ مَعَنا حتى يَدفَعَ، وقَدْ وقَفَ بِعرَفَةَ قَبلَ ذلِكَ لَيلًا أو نَهارًا فَقدْ تَمَّ حَجُّهُ وقَضَى تَفَثَهُ)،[٣] وقال -عليه الصلاة والسلام-: (الحجُّ عرفةُ).[٤]


  • من الإجماع

نقل الإجماع على أنّ الوقوف بعرفة ركنٌ من أركان الحجّ ابن عبد البر، وابن قدامة، وابن المنذر.


مسائل وأحكام متعلّقة بالوقوف بعرفة

وقت الوقوف في عرفة

يرى جمهور الفقهاء أنّ وقت الوقوف في عرفة يكون بين زوال شمس يوم عرفة -والزوال قبيل صلاة الظهر بنصف ساعةٍ تقريباً- إلى طلوع فجر يوم النّحر، وقد خالفهم الإمام أحمد في وقت ابتداء الوقوف بعرفة، فقال: يبدأ من طلوع فجر يوم عرفة.[٥]


واستدلّ بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن شهِد معنا هذا الموقفَ حتَّى يُفيضَ وقد أفاض قبْلَ ذلك مِن عرفاتٍ ليلًا أو نهارًا فقد تمَّ حجُّه وقضى تفَثَه)،[٦] وأجاب الجمهور بأنّ لفظ النّهار يعني هنا بعد الزوال؛ لأنّه لم يُنقل عن النبيّ الكريم وأصحابه أنّهم وقفوا قبل ذلك، فيبقى الحديث مقيَّداً بفعل النبي.[٥]


مقدار الوقوف في عرفة

ذهب عامّة العلماء إلى جواز الوقوف في عرفة ولو لحظة لطيفة، وأوجب المالكية الاستقرار والطمأنينة فيها بعد الغروب ولو بقدر الجلسة بين السجدتين، وقيل إنّ القدر المفروض من الوقوف في عرفة هو وجود الحاجّ فيها ساعةً من هذا الوقت، سواءً كان نائماً أم مستيقظا، واقفاً أو ماشياً، عالماً بذلك أم جاهلاً بحسب رأي الحنفية والمالكية، لأنّه أتى بالقدر المفروض في بيان النبي بأنّ مَن وقف بعرفة فقد تمّ حجّه.[٧]


حكم الوقوف في عرفة ليلاً أو نهاراً فقط

اتّفق الفقهاء على أنّ وقوف الحاجّ بالليل يكفيه ويُجزئه، أمّا إذا وقف بعرفة نهاراً فيرى عامّة الفقهاء وجوب بقائه إلى غروب الشّمس، فإن دَفَع منها قبل الغروب فحجّه صحيح، ولكن مع وجوب الدّم عليه؛ لدفْعِه منها قبل غروب الشمس، واشترط المالكية لصحة الوقوف أن يقف الحاجّ الذي وقف نهاراً في عرفات جزءًا من الليل فيها أيضاً، فإن لم يفعل بطل حجّه، وعليه إعادته في العام القادم؛ لأنّه أخلّ بشرطٍ من شروط صحّة الوقوف.[٨]

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 223، جزء 2. بتصرّف.
  2. سورة البقرة، آية:198
  3. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عروة بن مضرس الطائي، الصفحة أو الرقم:891، حسن صحيح.
  4. رواه ابن خزيمة، في صحيح ابن خزيمة، عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي، الصفحة أو الرقم:440، أخرجه في صحيحه.
  5. ^ أ ب أحمد الساعاتي، حاشية كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (الطبعة 2)، صفحة 125، جزء 12. بتصرّف.
  6. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عروة بن مضرس الطائي، الصفحة أو الرقم:3850، أخرجه في صحيحه.
  7. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2237، جزء 3. بتصرّف.
  8. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 61، جزء 4. بتصرّف.