أين يقع الملتزم؟

يقع المُلْتَزَم ما بين الرّكن الذي فيه الحجر الأسود، وبين باب الكعبة المشرّفة؛ أيّ الجدار الذي يقع بين الحجر الأسود وبين الكعبة المشرّفة، وسمّي بذلك لأنّ الناس يلتزمونه؛ أيّ يعتنقونه ويلصقونه بصدورهم، اهتداءً بهديّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويبلغ عرض المُلْتَزَم علّو أربعة أذرع، إذ قال بعض أهل العلم: "مِسَاحَتُهُ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ الْيَدِ".[١]


الدعاء عند الملتزم

استحبابه

ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب الدعاء عند المُلْتَزَم بعد طواف الوداع، ونصّ الحنفيّة والمالكيّة على استحباب الدعاء عند المُلْتَزَم بعد طواف القدوم أيضاً، وأطلق الشافعيّة استحباب الدعاء عند المُلْتَزَم مطلقاً.[٢]


وهذا الاستحباب يكون بسبب فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك؛ فيُستحبّ للمسلم أن يُلصق صدره وخدّه الأيمن على هذا الجدار، ويُبقي يديه وكفّيه مبسوطتين قائمتين، وهو متذلّل بالدعاء، مستجير بالله -تعالى- ربّ هذا البيت، ثم يدعو بالمأثور من الدعاء أو بما تيّسر له من ذلك.[٣]


أدلة مشروعيته

ورد في الدعاء عند المُلْتَزَم أحاديث وآثار كثيرة؛ نذكر منها:[٤]


  • ما ورد عن عمرو بن شعيب عن أبيه أنّه قال: (طُفْتُ مع عبدِ اللهِ فلما جِئْنَا دُبُرَ الكعبةِ قلتُ: ألا تَتَعَوَّذُ؟ قال: نعوذُ باللهِ مِن النارِ، ثم مضى حتى استلَمَ الحَجَرَ، وأقامَ بينَ الرُّكْنِ والبابِ، فوَضَعَ صدرَه، ووجهَه، وذراعَيْه، وكفَّيْه هكذا، وبَسَطَهما بسطًا، ثم قال: هكذا رأيتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَفْعَلُه).[٥]


  • ما ورد عن عبد الرحمن بن صفوان أنّه قال: (لمَّا فتَحَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مكَّةَ، قلتُ: لألبَسَنَّ ثِيابي، وكانت داري على الطريقِ، فلأَنظُرَنَّ كيف يَصنَعُ رسولُ اللهِ، فانطلقتُ، فرأيتُ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قد خرَجَ من الكعبةِ هو وأصحابُه، قد استَلَموا البيتَ من البابِ إلى الحَطيمِ، وقد وضَعوا خُدودَهم على البيتِ ورسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وسْطَهم)،[٦] وفي هذه الأحاديث يظهر أنّ التزام المُلْتَزم كان من هدي النبي -صلوات الله عليه- ومن فعله.


  • كان الإمام الشافعيّ -رحمه الله- يدعو عند المُلْتَزَم ويقول: "اللهُمَّ، الْبَيْتُ بَيْتُكَ، وَالْعَبْدُ عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، حَمَلْتَنِي عَلَى مَا سَخَّرْتَ لِي مِنْ خَلْقِكَ حَتَّى سَيَّرْتَنِي فِي بِلَادِكَ، وَبَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ حَتَّى أَعَنْتَنِي عَلَى قَضَاءِ مَنَاسِكِكَ، فَإِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا، وَإِلَّا فَمِنَ الْآنِ قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، فَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إِنْ أَذِنْتَ لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ وَلَا بِبَيْتِكَ وَلَا رَاغِبًا عَنْكَ وَلَا عَنْ بَيْتِكَ، اللهُمَّ فَاصْحَبْنِي بِالْعَافِيَةِ فِي بَدَنِي وَالْعِصْمَةِ فِي دِينِي، وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طَاعَتَكَ مَا أَبْقَيْتَنِي"،[٧] وقيل هو دعاء عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-.[٨]


ولقد ضعّف بعض أهل العلم الأحاديث السابقة؛ إلا أنّهم قالوا إنّ هذه الأحاديث وإن كانت لا تصحّ بمفردها، إلا أنّها تتقوّى بمجموعها، وقد تسامح أهل العلم بالعمل بالأحاديث الضعيفة إن كانت في فضائل الأعمال، كما في هذا الباب.[٩]


فضله

ورد في الأثر أنّ الدعاء عند المُلْتَزَم مظنّة إجابة، وقد ورد ذلك عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فقد كان عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- يلزم ما بين الركن والباب، وكان يقول: "مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ يُدْعَى الْمُلْتَزَمَ؛ لَا يَلْزَمُ مَا بَيْنَهُمَا أَحَدٌ يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ".[١٠]

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 26، جزء 39. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 26، جزء 39. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 139، جزء 29. بتصرّف.
  4. ضياء الدين المقدسي، السنن والأحكام عن المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، صفحة 165، جزء 4. بتصرّف.
  5. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1899، سكت عنه فهو صالح.
  6. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الرحمن بن صفوان، الصفحة أو الرقم:1898، سكت عنه فهو صالح.
  7. مجدي فتحي السيد، الصحيح من دعاء الحاج والمعتمر، صفحة 24-25.
  8. أنس بن عادل اليتامى، منية الساجد بشرح بداية العابد وكفاية الزاهد، صفحة 465. بتصرّف.
  9. "أحاديث في فضل الدعاء عند الملتزم"، إسلام ويب، 14/7/2003، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2023. بتصرّف.
  10. سيد سابق، فقه السنة، صفحة 708، جزء 1.