مشروعية الحج

الحجّ إلى بيت الله الحرام ركنٌ من أركان الإسلام وفرضٌ على كلّ مسلمٍ قادرٍ مرةً في العُمر، قال -تعالى-: (وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)،[١] وأخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ)،[٢] وأجمعت الأمّة الإسلامية على وجوب الحجّ على كلّ مسلمٍ مرةً في العُمر عند الاستطاعة والقدرة المالية والبدنية، قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أنّ على المرء في عمره حجةً واحدةً، حجّة الإِسلام"، وقال ابن عبد البرّ: "إنّ الإجماع في الرجل يكون معه الزاد والراحلة وفيه الاستطاعة ولم يمنعه فساد طريق ولا غيره، أن الحجّ عليه واجبٌ".[٣]


الحكمة من مشروعية الحج

تحقيق توحيد الله

الحجّ مظهرٌ عظيمٌ من مظاهر إظهار توحيد الله -تعالى- والإيمان به وحده وعدم الإشراك به شيئاً، قال -سبحانه-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)،[٤] وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله: (فَأَهَلَّ بالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لكَ).[٥][٦]


إظهار الفقر والحاجة لله وحده

يتجرّد الحاجّ من الترف والتزيّن وعن ملذّات الدنيا وشهواتها مُقبلاً على الله وحده -سبحانه-، مُظهراً حاجته وفقره له، مُتضرّعاً إليه وخاشعاً ومتذلّلاً، ملتزماً بأموامره ومجتنباً نواهيه.[٦]


تحقيق التقوى لله

يحقّق الحاجّ تقوى الله -تعالى- والخشية منه في أعمال الحجّ، فيلتزم بأوامره -سبحانه- ويجتنب نواهيه، فيُحرم بالحجّ ويبتعد عن كلّ أمرٍ محظورٍ التزاماً بأوامر الله القائل: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).[٧][٦]


توحيد الأمة

يجتمع المسلمون على اختلاف ألوانهم أجناسهم وأحوالهم في الحجّ، فتختفي من بيهم كلّ الفوارق من الغنى والفقر والجنس واللون وغير تلك الأمور، فيتجرّد العباد من كلّ ما يملكون تلبيةً لأوامر الله -سبحانه-، كما تظهر بين الحجّاج أيضاً مظاهر التعاون على البرّ والتقوى والتواصي بأداء الأعمال الصالحة.[٦][٨]


التذكير بأحوال الأنبياء والرسل

يذكّر الحجّ بأحوال الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- في عبادتهم ودوتهم وأخلاقهم وجهادهم وصبرهم وتحمّلهم في سبيل نشر الدعوة التي أُرسلوا بها، وفي ذلك تعويدٌ للنفس على ترك المحبوب كالأهل والأولاد والأموال في سبيل طاعة الله عبادته وإظهار الافتقار إليه وطاعة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.[٨]


نيل الأجور العظيمة المضاعفة

الحجّ إلى بيت الله الحرام سببٌ عظيمٌ لنيل الأجور المضاعفة وكسب الحسنات ومغفرة الذنوب والسيئات، فيقف العبد طالباً من الله -سبحانه- أن يغفر ذنوبه وزلّاته راجياً عفوه ومغفرته -سبحانه-، مظهراً عجره وافتقاره لله وحده، مقرّاً بألوهيته وربوبيته، فيتوب الله عليه ويغفر ذنبه.[٨]


شكر الله وحمده

يُظهر الحاجّ شُكره وحمد لله -سبحانه- على ما مَنّ به عليه من نعمة المال والقوة في البدن، فقد استطاع بهما أداء الحجّ، فيجتهد في بدنه بالسفر لأداء الحجّ، وينفق أمواله في طاعة الله والتقرّب نه، وشُكر الله على نعمه واجبٌ على كلّ مسلمٍ.[٩]


إقامة ذكر الله

شُرعت عبادة الحجّ إلى بيت الله الحرام لإقامة ذكر الله وإظهار عبادته في كلّ حالٍ ووقتٍ وعملٍ، فكلّ عملٍ من أعمال الحجّ يتضمّن ذكره -سبحانه-، قال -عزّ وجلّ-: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)،[١٠] قال ابن باز -رحمه الله-: "فالذكر من جملة المنافع المذكورة في قوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)، وعطفه على المنافع من باب عطف الخاص على العام. وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إنّما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)، وشرع للناس كما جاء في كتاب الله ذكر الله عند الذبح، وشرع لهم ذكر الله عند رمي الجمار، فكلّ أنواع مناسك الحج ذكر لله، قولاً وعملاً، فالحجّ بأعماله وأقواله كله ذكرٌ لله -عزّ وجلّ-".[١١]

المراجع

  1. سورة آل عمران، آية:97
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:8، صحيح.
  3. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 11-12. بتصرّف.
  4. سورة الحج، آية:26-27
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.
  6. ^ أ ب ت ث فريق الموقع، "من حِكَم مشروعيَّةِ الحَجِّ"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 3/3/2022. بتصرّف.
  7. سورة البقرة، آية:197
  8. ^ أ ب ت فريق الموقع، الفقه الإسلامي/حكمة مشروعية الحج:/i582&d919184&c&p1 "حكمة مشروعية الحج"، نداء الإيمان، اطّلع عليه بتاريخ 3/3/2022. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية [مجموعة من المؤلفين]، صفحة 26. بتصرّف.
  10. سورة البقرة، آية:198-199
  11. محمد صالح المنجد، "الحكمة من وظائف الحج والعمرة وترتيبها"، إسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 3/3/2022. بتصرّف.