مفهوم الرَّمَل في الطواف

عرّف العلماء الرّمَل -بتحريك الميم وفتحها- بأنّه السير السريع، الذي يُحرّك به الماشي منكبيه، وقيل هو أن يثب الماشي وثباً خفيفاً يهزّ معه منكبيه،[١] ويمكن توضيح معنى الرَّمَل أكثر بقول إنّه: الإسراع في المشي، مع هزّ الكتفين، وتقارب الخطى من غير وثب -قفز- أو عَدْو، وفوق المشي المُعتاد، ويُسمّى كذلك بالخبب؛ أيّ المشي الشديد دون الهرولة.[٢]


الحكمة من مشروعية الرَّمَل

بحث جمعٌ من أهل العلم عن الحكمة التي من أجلها شرع الله -تعالى- الرَّمَل في الطواف؛ فقيل إنّ السبب الرئيسيّ الذي من أجله شُرع الرّمََل هو إظهار قوة المسلمين وعزّتهم، وكثرة أعدادهم وجموعهم، وتجلّدهم، أمام مشركي مكة المكرمة في عمرة الحديبيّة؛ حين دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة المكرمة لأداء النُسُك؛ وقد دلّ على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّما سَعَى رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- وَرَمَلَ بالبَيْتِ، لِيُرِيَ المُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ).[٣][٤]


ثم استمرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرَّمَل في حجّة الوداع وعمرته، فكانت الحكمة التي من أجلها بقي الرَّمَل -حتى يومنا هذا- بعد زوال علّته؛ من أجل تذّكر ما أنعم الله -تعالى- به على المسلمين؛ من العزّة والكثرة، والقوة والعدّة، والمهابة، وإغاظة المشركين الكافرين؛ فيكون ذلك باعثاً على الاقتداء والانقياد، والعزّة والفخر.[٥]


إضافةً إلى حفظ مكانة الصحابة الأولين، وتعظيم جهودهم في النفوس، وما كان منهم من تحمل المشاق، وبذل الأنفس، وطاعة الله -تعالى-، والامتثال لأمر رسوله الكريم؛ وهذا ما ذهب إليه، واجتهد به بعض أهل العلم.[٥]


حكم الرَّمَل في الطواف

تعددت أقوال العلماء في حكم الرّمََل وبقاء مشروعيّته بعد زوال سببه -كما بيّنا وأشرنا سابقاً-؛ فذهب جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة إلى أنّ الرَّمَل سنّة باقية، وشعيرة ثابتة، وإن ذهب سببها الرئيسي الذي شُرع من أجله، وشأنه كشأن كثير من سنن ومناسك الحجّ والعمرة؛[٦] ويكون الرّمََل في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، ومما يدلّ على ذلك:[٧]

  • ما ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كانَ إذَا طَافَ بالبَيْتِ الطَّوَافَ الأوَّلَ، يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، ويَمْشِي أَرْبَعَةً، وأنَّهُ كانَ يَسْعَى بَطْنَ المَسِيلِ، إذَا طَافَ بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ).[٨]
  • ما ثبت عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّه قال: (رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- رَمَلَ مِنَ الحَجَرِ الأسْوَدِ، حتَّى انْتَهَى إلَيْهِ، ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ).[٩]


وينبغي التنبيه إلى أنّ الرّمََل سنّة في حقّ القادر عليه من الرجال، والصبيان، أمّا النساء فلا يُشرع لهنّ ذلك؛ لمشقته عليهنّ، ولأنّه يُظهر عوراتهنّ مما يجب عليهنّ ستره، فيُخشى عليهنّ الفتنة أو التسبب بها.[١٠]


وقد ذهب الفقهاء إلى أنّ الرّمََل يكون في طواف القدوم، وطواف المُعتمر فقط؛ وقد نقل ابن عبد البرّ إجماع الفقهاء في هذا،[٧] بالإضافة إلى أنّ الرّمََل لا يُقضى لمن فاته؛ بمعنى أنّ من غفل عنه أو نسيه، أو لم يستطع الرَّمَل في الأشواط الثلاث الأولى لم يأتِ بها في الأشواط الثلاث الأخيرة؛ لأنّ ذلك خلاف السنّة النبويّة، ولفوات محلّها الذي بيّنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فينبغي لمن وقع منه ذلك إتمام الأشواط الباقيّة مشيّاً.[١١]

المراجع

  1. اليفرني، محمد بن عبد الحق، الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب، صفحة 408، جزء 1. بتصرّف.
  2. عبد الله بن إبراهيم الزاحم، أحكام الاضطباع والرمل في الطواف، صفحة 228-230. بتصرّف.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1266، صحيح.
  4. بدر الدين العيني، نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار، صفحة 374، جزء 9. بتصرّف.
  5. ^ أ ب عبد الله بن إبراهيم الزاحم، أحكام الاضطباع والرمل في الطواف، صفحة 234-235. بتصرّف.
  6. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 149، جزء 23. بتصرّف.
  7. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 190، جزء 2. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1617، صحيح.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله ، الصفحة أو الرقم:1263، صحيح.
  10. أبو العباس القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، صفحة 374، جزء 3. بتصرّف.
  11. ابن عثيمين، الشرح الممتع على زاد المستقنع، صفحة 244، جزء 7. بتصرّف.