سنن الإحرام

يُسنّ عند الإحرام العديد من الآداب والسنن التي يُستحبّ فعلها اقتداءً بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولتحصيل الأجر والثواب، ونذكر هذه السنن فيما يأتي:


الاغتسال

الاغتسال للإحرام سنةٌ باتّفاق الفقهاء، ونقل النووي الإجماع على ذلك، بدليل ما ثبت عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّه قال: (... أَتَيْنَا ذَا الحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ، فأرْسَلَتْ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: كيفَ أَصْنَعُ؟ قالَ: اغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي بثَوْبٍ وَأَحْرِمِي).[١][٢]


وإذا كان الاغتسال للإحرام سنةٌ في حقّ النفساء أو الحائض مع أنّهما لا تنتفعان به للطهارة من الحدث الأكبر أو استباحة الصلاة والطواف؛ فمن باب أولى استحبابه أيضاً للمُحرِم الطّاهر، وقد قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: "إن من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم، وإذا أراد أن يدخل مكة".[٢]


التلبية

التلبية بعد الإحرام سنةٌ عند جمهور الفقهاء، ويُسنّ الإكثار منها عند الارتفاع وعند الهبوط، وعند إقبال الليل، وبعد الصلوات المفروضة، ويُسنّ رفع الصوت بها للرجال، وصيغة التلبية هي: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ)،[٣] والسنّة الإتيان بها هكذا دون زيادة؛ اقتداءً بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-.[٤]


وخالف الحنفية الجمهور فقالوا إنّ التلبية في الإحرام فرضٌ، ويجدر بالذّكر أنّ وقت بدْء التلبية يكون عند نية الإحرام بالعمرة أو الحجّ، فإذا أحرم المسلم من الميقات بدأ بالتلبية حتى يصل إلى أرض الحرم ويبدأ الطواف باستلام الحجر الأسود عند جمهور الفقهاء.[٥]


التطيّب قبل الإحرام

يُسنّ للمُحرم أن يتطيّب في بدنه قبل الإحرام -لا في ثوبه- عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، أمّا تطييب ثياب إحرامه فلا يجوز، لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القَمِيصَ، وَلَا العِمَامَةَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا البُرْنُسَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ...)،[٦] ولأنّ أثر الطيب لا يُستهلك في الثياب ويبقى موجوداً خِلافاً للبدن.[٧]


ويدلّ على سنّة تطييب البدن قبل الإحرام قول عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، ولِحِلِّهِ قَبْلَ أنْ يَطُوفَ بالبَيْتِ)،[٨] فإذا أحرم المُسلم فلا يُشرع له مسّ الطيب،[٩] أمّا المرأة فلها أن تضع الطيب على بدنها قبل الإحرام بشرط أن تكون رائحته خفيفة جداً، ولا تظهر عند الاختلاط بالنّاس.[١٠]


إحرام الرجل بإزار ورداء أبيضين

يُسنّ للرجل أن يُحرم بإزارٍ ورداءٍ أبيضين اللّون، فعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: (انْطَلَقَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ المَدِينَةِ بَعْدَ ما تَرَجَّلَ، وادَّهَنَ، ولَبِسَ إزَارَهُ ورِدَاءَهُ هو وأَصْحَابُهُ...)،[١١] وقد كان النبيّ الكريم يُحبّ اللون الأبيض في الثياب، فكان يقول: (البَسوا من ثيابكم البياضَ، فإنها من خيرِ ثيابِكم، وكفِّنوا فيها موتاكم).[١٢][١٣]


سنن أخرى للإحرام

من السّنن الأخرى للإحرام أيضاً ما يأتي:[١٤]

  • النظافة

حيث يُسنّ للمسلم قبل إحرامه أن يقلّم أظافره، وينتف شعر إبطه، ويحلق شعر عانته، ويُسرّح شعر رأسه ولحيته، ويقصّ شاربه، استعداداً لدخول النسك.


  • وقوع الإحرام بعد صلاةٍ مفروضة

يُسنّ أن يكون الإحرام بعد صلاةٍ مفروضة، لأنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أحرم عقب انتهائه من أداء صلاةٍ مفروضة، أمّا إذا أحرم المسلم بغير وقت الفريضة فيُستحبّ له أن يُصلّي ركعتين تطوُّعاً قبل إحرامه عند جمهور العلماء، ثمّ يُحرِم بعدهما.


حكم ترك سنن الإحرام

مَن ترك سنَّةً من سنن الإحرام فلا يؤثم، ولا شيء عليه، سواءً كان إحرامه للحجّ أو العمرة، ولكنّه يُضيّع عليه ثواب هذه السنن، فالأوْلى فعلها وعدم تركها؛ اقتداءً بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فالحجّ المبرور هو ما اكتملت فيه الأركان والواجبات والسنن، ويدلّ على استحباب الإتيان بجميع السنن:[١٥]


  • قول الله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).[١٦]
  • قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ).[١٧]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.
  2. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 82، جزء 2. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1549، صحيح.
  4. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 85، جزء 2. بتصرّف.
  5. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 321، جزء 30. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5806، صحيح.
  7. "التَّطَيُّبُ"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 5/4/2023. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1539، صحيح.
  9. مصطفى العدوي، دروس للشيخ مصطفى العدوي، صفحة 9، جزء 37. بتصرّف.
  10. "حكم التطيب والاكتحال والخضاب بالحناء وطلاء الأظافر للمحرمة"، الموقع الرسمي للشيخ ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 5/4/2023. بتصرّف.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1545، صحيح.
  12. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:994، حسن صحيح.
  13. عبد العظيم بدوي، الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز، صفحة 247. بتصرّف.
  14. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 28-29، جزء 4. بتصرّف.
  15. محمد التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 239-240، جزء 3. بتصرّف.
  16. سورة البقرة، آية:197
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1773، صحيح.