تأتي النيّة في اللغة بمعنى قصد الشيء وعزم القلب عليه، فنوى الشيء؛ أي أراده وعزم على فعله، وأمّا النية في الاصطلاح الشرعيّ، فتعني: عزم القلب على القيام بعبادةٍ من العبادات، سواء كانت فرضًا أو نافلةً، أو الإرادة الجازمة للقيام بالتزامٍ ما من العقود والمعاملات ونحوها،[١] قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ)؛[٢] أي أنّ الأعمال لا بدّ أن تُسبق بنيَّةٍ تُعيّنه وتحدّده، ومن ذلك الحجّ، وفيما يأتي حديثٌ عن نيّة الحجّ، وبيانٌ لشروطها.


النية في الحج

حكم النية في الحج

ذهب جماهير أهل العلم إلى أنّ النيَّة ركنٌ من أركان الحجّ؛ فنيَّة الحجّ عندهم تتمثّل بالإحرام، وهو أن ينوي المسلم الحجّ والدخول في نسكه في ميقاتٍ زمانيٍّ ومكانيّ محدّد، وزاد الحنفيّة على نيّة الحجّ كشرطٍ من شروط الإحرام به: التلبية، أو قول ما يقوم مقامها،[٣] والنيّة ركنٌ من أركان الحجّ؛ لكون الحجّ عبادةً محضةً، والعبادة تفتقر وتحتاج إلى نيَّةٍ، ومحلّ النيّة ومكانها القلب، إلّا أنّ الأفضل للمسلم أن يتلفّظ بالنيّة بلسانه، ويعيّنها بالنطق بها؛ لأنّ ذلك أدعى للمسلم بأن لا يلتبس عليه الأمر.[٤]


شروط النية في الحج

حدّد الفقهاء شروطًا لصحّة نيّة الحجّ، وفيما يأتي ذكرها وبيانها.[٥]

الإسلام

فالإسلام شرطٌ لصحّة كلّ نيَّةٍ ولقبول أيّ عبادةٍ باتفاق العلماء؛ فلا تصحّ نيَّةٌ أو تقبل عبادةٌ من غير المسلم.[٥]


تعيين النسك

ويُقصد بتعيين النسك تحديد الحاجّ إذا نوى الحجّ وقصد الدخول في النسك، ما ومن يقصده في النسك؛ أي إن كان يقصد بالحجّ حجّ الفريضة أم هو حجّ نافلةٍ، وإن كان ينوي الحجّ عن نفسه، أو يريد أداءه عن الغير، وللفقهاء تفصيلٌ بشأن تعيين النسك، فيما يأتي بيانها:[٥]

  • اتّفق الفقهاء على أنّ الحاجّ إذا لم يكن قد سبق له أن حجّ حجّة الفريضة، ونوى الحجّ دون أن يعين النسك؛ فإنّ نيّته تقع على حجّ الفريضة حتى وإن لم يذكر أو يعين ذلك.
  • إذا نوى الحاجّ الحجّ نافلةً أو وفاءً لنذرٍ، ولم يكن قد أدّى حجّة الفريضة؛ فإنّ حجّه يقع على ما نواه عند الحنفيّة والمالكيّة في المعتمد عندهم وروايةٌ عن الإمام أحمد، أمّا الشافعيّة والحنابلة فذهبوا إلى أنّ من نوى الحجّ نافلةٍ أو وفاءً لنذرٍ ولم يكن قد أدّى حجّ الفريضة من قبل؛ فإنّ النسك يتعيّن وينصرف إلى حجّ الفريضة، وهو قول عبد الله بن عمر وأنس بن مالك -رضي الله عنهم- من الصحابة.
  • إذا نوى الحاجّ الحجّ عن غيره، ولم يكن قد أدّى هو حجّ الفريضة عن نفسه؛ فإنّ الحجّة تقع عن نفسه لا عن الغير، ويجب عليه ردّ ما أخذه من الغير مقابل الحجّ عنه -إن كان قد أخذ مقابلًا أو نفقةً للحجّ عنه-.


التلبية

ذهب أبو حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني ووافقهم ابن حبيب من المالكيّة إلى أنّ التلبية شرطٌ في الإحرام، ولا بدّ عندهم أن تقترن نيّة الحجّ بالتلبية أو ما يقوم مقامها من الذكر والدعاء الذي يحمل معنى التعظيم لله -تعالى- أو سوق الهدي، والتلبية كما جاء في الحديث الشريف هي قول: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لكَ).[٦][٥]


المراجع

  1. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 151-152. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1، حديث صحيح.
  3. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 102-103. بتصرّف.
  4. مجموعة من المؤلفين، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 176. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 130-133. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1184، حديث صحيح.