فضل الدعاء عند الملتزم

جاء في فضل الدعاء عند الملتزم عدّة أقوالٍ مأثورة عن السلف الصالح، فقد كان عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- يلتزم ما بين الباب والركن، وكان يقول: "ما بين الركن والباب يُدعى الملتزم، لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله -عز وجل- شيئا إلا أعطاه إياه"، ورُوي ذلك عنه موقوفاً، وقيل إنّ في سنده ضعفاً.[١]


وجاء عن عدّة أئمة من السلف الإشارة إلى فضل استجابة الدعاء عند الملتزم، فقد نُقِل عن الحسن البصري -رحمه الله- أنّه قال: "مَا على وَجه الأَرْض بَلْدَة يُسْتَجَاب فِيهَا الدُّعَاء فِي خَمْسَة عشر موضعا إِلَّا مَكَّة..."، ثمّ ذكر من هذه المواضع الدعاء عند الملتزم، فقال: "... وَالدُّعَاء فِي الْمُلْتَزم مستجاب".[٢]


وقد وردت عدّة أحاديث نبوية تُبيّن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقف عند الملتزم ويضع ذراعيه وكفّيه وصدره ووجهه عليه، ولكنّ هذه الأحاديث لم تسلم من الضعف، إلا أنّ بعض أهل العلم قالوا: "والأحاديث التي ذكرناها، وإن كانت لا يخلو منها حديث بمفرده من مقال، إلا أنها تصح بمجموعها"، وقال النووي -رحمه الله-: "والعلماء متفقون على التسامح في الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال ونحوها مما ليس من الأحكام".[١]


مشروعية الدعاء عند الملتزم

لا خلاف عند الفقهاء في استحباب التزام الطائف للملتزم، وذهب الحنفية والشافعية إلى القول باستحباب التزام الملتزم في طواف الوداع،[٣] ومعلومٌ أنّ الدعاء مستحبٌّ ومشروعٌ في العمرة والحجّ في أي وقت، ومن هُنا فهو مشروعٌ عند الملتزم كذلك، خاصّة أنّه أُثِر عن العديد من السلف الصالح.


ولا يوجد دعاء محدّد يدعو به المسلم عند الملتزم، بل يُشرع له أن يدعو الله -تعالى- بما شاء وأحبّ من الأدعية الجامعة لخيريّ الدنيا والآخرة، ويجوز أن يلتزم الملتزم قبل طواف الوداع، أو عند دخول الكعبة، أو في أيّ وقتٍ شاء، ولكن يحرص على عدم إيذاء مَن حوله، وعدم الإطالة في الدعاء حتى يفسح المجال لغيره، وإلا فيكفيه الدعاء في الطواف عموماً.[٤]


ويجدر بالذكر أنّ الذي جاء عن الصحابة -رضوان الله عليه- في الالتزام والدعاء عند الملتزم أصحّ ممَا جاء في السنّة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،[٤] وقد قال ابن عثيمين -رحمه الله-: "الالتزام لم ترد فيه سُنة، لكن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يفعلونه عند القدوم. والفقهاء قالوا: يفعله عند المغادرة. وعلى هذا فالالتزام لا بأس به ما لم يكن فيه أذية وضيق".[٥]


دعاء ابن عباس رضي الله عنه عند الملتزم

لم يثبت في الدعاء عند الملتزم شيءٌ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولكنّ الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يدعون عنده، واشتهر ذلك عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-،[٦] حيث كان يدعو عند الملتزم بما يأتي:


"اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك، حَمَلْتنِي عَلَى مَا سَخَّرْت لِي مِنْ خَلْقِك، وَسَيَّرْتنِي فِي بِلَادِك حَتَّى بَلَّغْتنِي بِنِعْمَتِك إلَى بَيْتِك، وَأَعَنْتنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي، فَإِنْ كُنْت رَضِيت عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضَا، وَإِلَّا فَمِنْ الْآنَ فَارْضَ عَنِّي قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِك دَارِي، فَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْت لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِك وَلَا بِبَيْتِك وَلَا رَاغِبٍ عَنْك وَلَا عَنْ بَيْتِك".[٧]


"اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي، وَالصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي، وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طَاعَتَك مَا أَبْقَيْتنِي، وَاجْمَعْ لِي بَيْنَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، ويُشرع الدعاء به عند الملتزم.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب "أحاديث في فضل الدعاء عند الملتزم"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2023. بتصرّف.
  2. الحسن البصري، فضائل مكة، صفحة 24.
  3. "الدعاء عند الملتزم"، إمام المسجد، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2023. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "ما هو الملتزَم؟ وما هي كيفية الدعاء عنده؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2023. بتصرّف.
  5. سليمان اللاحم، مراقي العزة ومقومات السعادة، صفحة 189.
  6. سليمان اللاحم، مراقي العزة ومقومات السعادة، صفحة 189. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ابن تيمية، مجموع الفتاوى، صفحة 142-143، جزء 26.