الحكمة من كوْن الحجّ عرفة

بيّن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنّ الحجّ عرفة؛ لأنّ الوقوف في عرفة هو أعظم أركان الحجّ، وإذا فات وقت الوقوف به على الحاجّ فات حجّه في ذلك العام، على عكس الأركان الأخرى فيُمكن تداركها، لهذا كان الحجّ عرفة، أي إن الوقوف بعرفة هو معظم الحج وركنه الأكبر، أمّا تخصيص يوم عرفة تحديداً للوقوف فيه فهذا في علم الله -تعالى-، والواجب التسليم بذلك لأنّ حكمة اختيار هذا اليوم ممّا يخفى عن المسلم.[١]


إذا فالحجّ عرفة أي: "ملاك الحج أو معظم أركانه: وقوف عرفة، لأن الحج يفوت بفواته، ولا يفوت بفوات غيره"،[٢] وعن عبد الرحمن بن يعمر الديلي -رضي الله عنه- قال: (شَهِدْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بعَرفةَ وأتاهُ ناسٌ من نَجدٍ، فأمَروا رجلًا، فسألَهُ عنِ الحجِّ، فقالَ: الحجُّ عرفةُ، مَن جاءَ ليلةَ جمعٍ قبلَ صلاةِ الصُّبحِ فقد أدرَكَ حجة...).[٣]


وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الحجُّ عرفةَ فمَن أدرك ليلةَ عرفةَ قبل طلوعِ الفجرِ من ليلةِ جمعٍ فقد تمَّ حجُّهُ)،[٤] لذا قال بعض أهل العلم: "من فاته الوقوف فاته الحج"، ولا يعني ذلك أنّ مَن وقف في عرفة فقد أدّى حجّه، وليس عليه من الأعمال شيءٌ غير ذلك، فمَن وقف بعرفة عليه أيضاً من الأعمال أن يبيت بمزدلفة، ويطوف طواف الإفاضة، ويسعى بين الصفا والمروة، ويرمي الجمار، ويبيت في مِنى، ونحوها من الأعمال.[٥]


فإنْ قيل: لماذا قال النبيّ الكريم "الحجّ عرفة" مع أنّ في الحجّ أيضاً أركاناً أخرى يجب أداؤها، قُلنا: هذا على سبيل التغليب والتنبيه إلى الأهمّ، فالأركان الأخرى كلّها بالطبع من أعمال الحجّ المهمّة، ولكن يُمكن أن تُدرك في غير وقتها.[٦]


أمّا أعظم أركان الحجّ فهو الوقوف في عرفة، وهو ما لا يُدرك إلا في وقته، ويفوت الحجّ بفواته، فإذا فات انقلب طواف وسعي الحاج إلى عمرة، ولا رمي عليه ولا شيء بعد ذلك لفوات الحجّ عليه، وحينها يتحلّل بعمرةٍ لا بحجّ.[٦]


أول وقت الوقوف بعرفة وآخره

السنَّةُ أن يكون أول وقت الوقوف في عرفة بعد الزوال؛ أي بعد صلاة الظهر والعصر، أما آخر وقتٍ للوقوف في عرفة فيبقى إلى قُبيْل فجر اليوم الثاني؛ أي فجر يوم النّحر، فآخر وقتٍ للوقوف في عرفة هو قبل أن يطلع فجر يوم العيد، ويدلّ على ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: (... مَن صلَّى معَنا صلاتَنا هذِهِ ههُنا، ثمَّ أقامَ معَنا وقد وقفَ قبلَ ذلِكَ بعرفةَ ليلًا أو نَهارًا، فقد تَمَّ حجُّهُ)،[٧] والصلاة في الحديث هي صلاة الفجر.[٨]


فضل الوقوف بعرفة

إنّ للوقوف بعرفة العديد من الفضائل العظيمة، وأهمّها ما يأتي:[٩]

  • يوم العتق من النار

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟).[١٠]


  • يُباهي الله بالواقفين بعرفة ويُثني عليه

قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ يباهي بأَهْلِ عرفاتٍ أَهْلَ السَّماءِ، فيقولُ لَهُم: انظُروا إلى عبادي جاءوني شُعثًا غبرًا).[١١]

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 813، جزء 3. بتصرّف.
  2. ناصر الدين البيضاوي، تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة، صفحة 189، جزء 2.
  3. رواه النسائي، في سنن النسائي، عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي، الصفحة أو الرقم:3044، صححه الألباني.
  4. رواه النسائي، في سنن النسائي، عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي، الصفحة أو الرقم:3016، صححه الألباني.
  5. محمد صالح المنجد، الإسلام سؤال وجواب، صفحة 4271، جزء 5. بتصرّف.
  6. ^ أ ب عطية سالم، شرح الأربعين النووية لعطية سالم، صفحة 3، جزء 22. بتصرّف.
  7. رواه النسائي، في سنن النسائي، عن عروة بن مضرس الطائي، الصفحة أو الرقم:3039، صححه الألباني.
  8. محمد حسن عبد الغفار، دروس الشيخ محمد حسن عبد الغفار، صفحة 18، جزء 32. بتصرّف.
  9. صهيب عبد الجبار، الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، صفحة 309، جزء 7. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1348، صحيح.
  11. رواه ابن خزيمة، في صحيح ابن خزيمة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:4/449، أخرجه في صحيحه.