أفضل أنواع الحج

شرع الإسلام ثلاثة أنواع للإحرام بالحجّ؛ يُخيّر المُحرم بين الأنساك الثلاثة على حسب قدرته واستطاعته، ووقت ومكان إحرامه؛ وهذه الأنساك هي: الإفراد؛ الذي يقتصر على الإهلال بالحجّ وحده، والقِرَان؛ الذي يجمع بين الإحرام للعمرة والحجّ معاً، والتّمتّع؛ وذلك بأن يُحرم المسلم أولاً بعمرة في أشهر الحجّ، فإذا انتهى من أدائها؛ تمتّع وتحلّل من إحرامه، ثمّ أعاد الإحرام للحج في وقته.[١]


ولقد تعددت أقوال الفقهاء في أفضليّة هذه المناسك؛ وفيما يأتي بيان ذلك مع الدّليل:


الإفراد أفضل النُسُك

ذهب المالكيّة والشافعيّة -في ظاهر مروياتهم- وبعض الصحابة الكرام؛ إلى أنّ الإفراد هو أفضل الأنساك الثلاثة؛ مستدلين بعدد من الأدلة المُعتبرة، وهي:[٢]

  • إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أحرم بالحجّ مفرداً؛ لما ثبت في حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (... فأهَلَّ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- بحَجٍّ، وَأَهَلَّ به نَاسٌ معهُ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بالعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَن أَهَلَّ بالعُمْرَةِ).[٣]
  • إنّ المفرد بالحجّ يأتي بنُسُكه تاماً؛ من غير احتياجه إلى جبر أو فصل في الأداء، وهذا يؤدي إلى مشقة أعظم على المُحرم، على عكس المتمتع مثلاً الذي يتحلل من الإحرام ويتمتع، ثم يعود للإحرام، ولهذا ذهب أصحاب هذا القول إلى أنّ حجّ الإفراد يتحصّل به الحاج على أجر أكبر؛ فكان هو أفضل الأنساك الثلاثة.
  • إنّ الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- أفردوا الحج بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وواظبوا عليه؛ كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، واختُلف في حجّ علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم جميعاً-.[٤]


القِرَان أفضل النُسُك

ذهب الحنفيّة والثوري والإمام أحمد في إحدى رواياته -لمن ساق الهدي- أنّ القِرَان أفضل الأنساك الثلاثة؛ وحجّتهم في ذلك ما يأتي:[٥]

  • إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أهلّ بالحجّ والعمرة معاً؛ لما ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- أَهَلَّ بهِما جَمِيعًا: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا).[٦]
  • إنّ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أهلّ بالحجّ والعمرة معاً؛ وبرر ذلك بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
  • إنّ على القارن دماً؛ وهو متعلق بالعبادة وليس لجبر خلل، والعبادات المتعلقة بالمال والبدن أفضل من المتعلقة بالبدن فقط، على رأي هؤلاء الفقهاء.
  • إنّ القارن مسارع لأداء العبادة، وهذا أفضل من تأخيرها في الأنساك الأخرى.
  • إنّ القِرَان فيه أداء للعمرة في أشرف زمان؛ في أشهر الحجّ.
  • إنّ القِرَان فيه مبادرة لأداء نُسكين من الميقات؛ فكان هو الأولى بالأفضليّة.[٧]


التمتع أفضل النُسُك

ذهب الحنابلة وجمعٌ من الصحابة الكرام؛ كابن عمر وابن عباس، وأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وأحد أقوال الإمام الشافعيّ؛ إلى أنّ التمتع أفضل أنواع الحجّ؛ وذلك استدلالاً بالآتي:[٨]

  • إنّ القرآن الكريم نصّ على التّمتع دون غيره من الأنساك الأخرى؛ فقال -تعالى-: (... فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ...).[٩]
  • إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- تأسف على فوات التمتع؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (... لوِ استَقبَلْتُ مِن أمْري ما استَدبَرْتُ لَجَعَلْتُها عُمْرةً، ولكنْ سُقْتُ الهَدْيَ، وقَرَنْتُ الحَجَّ والعُمْرةَ).[١٠]
  • إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه لمّا طافوا بالبيت أن يتحلّلوا، ويجعلوها عمرة؛ فأمرهم بذلك بالتحوّل من الإفراد والقِرَان إلى التمتع؛ ووجه الدّلالة في ذلك أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينقل أصحابه إلا لما هو أفضل وأكمل وأعظم أجراً.


الراجح عند العلماء

يظهر من النصوص الشرعيّة والأدلة السابقة، أنّ السبب في تعدد آراء الفقهاء كان معتمداً على تعدد الروايات الثابتة والمُعتبرة في هذا الأمر؛ وبناءً عليه جمع بعض أهل العلم بين هذه المرويات، وقالوا بأنّ أفضل أنواع الحجّ يكون بحسب حال المُحرم على النحو الآتي:[١١]

  • إن ساق الحاجّ الهدي معه؛ فالقِرَان هو الأفضل؛ لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، ولمنعه -صلى الله عليه وسلم- كل من ساق الهدي أن يُحل من إحرامه، حتى ينحر هديه.
  • إن لم يَسُق الحاجّ الهدي؛ فالتمتع هو الأفضل؛ لما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، حين طافوا بالكعبة أن يتحللوا ويجعلوها عمرة.
  • إن اعتمر المسلم في العام ذاته الذي نوى فيه الحجّ؛ فالإفراد بحقه أفضل؛ لأنّه يأتي به في سفر واحد.


ولعلّه يحسُن لمن يقدر على تكرار الحجّ أن يأتي بالأنواع كلّها، حسب استطاعته وأحواله؛ وبهذا كون قد عمل بالأنساك الثلاثة، مصيباً لأفضليّتها كلّها؛ التي قال بها الفقهاء، ودلّت عليها جميع الرّوايات الصحيحة، والله -تعالى- أعلم.

المراجع

  1. سيد سابق، فقه السنة، صفحة 655-657، جزء 1. بتصرّف.
  2. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 20-21، جزء 4. بتصرّف.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1211، صحيح.
  4. كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 184، جزء 2. بتصرّف.
  5. كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 184-185، جزء 2. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1251، صحيح.
  7. ابن قدامة، المغني، صفحة 83، جزء 5. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين، موسوعة الفقه الإسلامي الأوقاف المصرية، صفحة 153، جزء 18.
  9. سورة البقرة، آية:196
  10. رواه الإمام أحمد، في المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:13813، صحيح.
  11. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 22، جزء 4. بتصرّف.