المشعر الحرام

ذكر الله -سبحانه وتعالى- المشعر الحرام في القرآن الكريم في سياق الحديث عن شعائر الحجّ، فقال -سبحانه-: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ)؛[١] ولقد تعددت أقوال أهل العلم في تحديد المشعر الحرام، فقالوا:[٢]

  • هو جبل في مزدلفة يُدعى جبل قزح أو قرن قزح.
  • هو ما بين جبلي مزدلفة؛ من مأزمي -الطريقان الضيقان- عرفة إلى وادي محسر.
  • هو مزدلفة كلّها.[٣]
  • هو المسجد المبني في مزدلفة -على أحد جبالها- بالوقت الحاضر.[٤]


سبب تسمية المشعر الحرام بذلك

سمّي المشعر الحرام بهذا الاسم؛ لأنّه يقع داخل أميال الحرم، ومن هنا جاءت حُرمته، أمّا المشاعر فهي المعالم الظاهرة،[٥] وقيل سمّي مشعراً من الشِّعار أيّ العلامة؛ لأنّه معلم للحجّ والصلاة والمبيت والدعاء.[٦]


ويُسمّى المشعر الحرام كذلك جمعاً؛ لأنّ الحاجّ يُصلي المغرب والعشاء في مزدلفة جمعاً، وقيل لاجتماع سيدنا آدم وزوجه حواء في مزدلفة؛ التي يقع فيها المشعر الحرام.[٦] ولهذا يُقال -تمييزاً بينه وبين غيره-: المشعر الحلال، والمشعر الحرام؛ فالمشعر الحلال هو عرفة الذي يقع خارج حدود الحرم، والمشعر الحرام هو مزدلفة أو ما كان فيها.[٧]


وفي حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنّه قال في صفة حجّ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... حتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بهَا المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بأَذَانٍ وَاحِدٍ وإقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بيْنَهُما شيئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، وَصَلَّى الفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ له الصُّبْحُ بأَذَانٍ وإقَامَةٍ. ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ حتَّى أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ...).[٨][٧]


ما يقام على المشعر الحرام

يُسنّ للحاجّ بعد أن يُصلي الصبح بمزدلفة أن يأتي المشعر الحرام؛ فيصعد عليه ويستقبل القبلة ويهلل ويُكبر، ويدعو الله -تبارك وتعالى- ويذكره؛ تطبيقاً لأمره -تعالى- حين قال: (... فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ...)،[١] فإذا لم يستطع الحاجّ، أو لم يتيّسر له الذهاب إلى المشعر الحرام دعا في مكانه بمزدلفة؛ لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ مزدلفة كلّها موقف، وينبغي للحاجّ أن لا يُضيّع هذه الأوقات النفيسة، المأجورة بإذن الله -تعالى-، ويبقى كذلك حتى يُسفر الصبح.[٩]


ثمّ يدفع بعد ذلك من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس؛ فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه لمّا أتى المشعر الحرام: (... اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَدَعَاهُ -سبحانه- وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ...)،[٨] ومن تأخر عامداً من غير عذر -كأنّ يعيقه الزحام أو نحو ذلك- إلى ما بعد طلوع الشمس فهو مخالف لسنة، وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنّه ما فعل ذلك -عليه السلام- إلا مخالفةً لأهل الجاهلية الذين كانوا لا يفيضون من مزدلفة حتى تطلع الشمس.[٩]

المراجع

  1. ^ أ ب سورة البقرة، آية:198
  2. الشوكاني، فتح القدير، صفحة 232، جزء 1. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، موسوعة التفسير المأثور، صفحة 583، جزء 3. بتصرّف.
  4. سليمان بن محمد اللهيميد، شرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين، صفحة 530، جزء 1. بتصرّف.
  5. ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 554، جزء 1. بتصرّف.
  6. ^ أ ب القرطبي، شمس الدين، تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، صفحة 421، جزء 2. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ابن عثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، صفحة 54، جزء 23. بتصرّف.
  8. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.
  9. ^ أ ب سليمان بن محمد اللهيميد، شرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين، صفحة 530-531، جزء 1. بتصرّف.