مكان ذبح الهدي
يُقصد بالهديّ كل ما ذُبح من بهيمة الأنعام تقرباً لله -تعالى-، ويكون أقلّ الهديّ بشاة واحدة، أو سُبع بدنة أو سُبع بقرة،[١] ولقد اتفق الفقهاء على أنّ دماء الهديّ -باستثناء دماء هديّ الإحصار، فهي تُذبح محلّ الإحصار-؛ تُذبح بالحرم، ولا يجوز ذبح شيء منها خارجه؛ وذلك للأدلة الآتية:[٢]
- قوله -تعالى- في جزاء الصيد: (... وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ...).[٣]
- قوله -تعالى- في الهديّ: (لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ).[٤]
- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (نَحَرْتُ هَاهُنَا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا في رِحَالِكُمْ...).[٥]
- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... كُلُّ فجاجِ مكَّةَ طريقٌ ومَنحرٌ).[٦]
ولقد خالف الحنفيّة الجمهور؛ فقالوا إنّ هديّ الإحصار يجب أن يُذبح في مكة المكرمة أيضاً، واستدلوا على ذلك بقوله -تعالى-: (... وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ...)،[٧] على اعتبار أنّ هديّ الإحصار هديّ تحلل، قياساً على دم التمتع، ودم المُجامع قبل الوقوف بعرفة.[٢]
زمن ذبح الهدي
تعددت آراء الفقهاء في زمن ذبح الهديّ بحسب نوعه ووجوبه؛ فمنهم من قال: تُذبح الهدايا يوم النحر، ومنهم من قال: تُذّبح بمنى يوم النحر إن كانت هدي نُسك، ومنهم من فصّل في ذلك تفصيلاً، ويمكن تلخيص هذه الآراء على النحو الآتي:[٨]
- مذهب الحنفيّة
ذهب الحنفيّة أنّ هديّ القران والتمتع لا يُذبح إلا يوم النّحر؛ لأنّه هدي نُسُك، أمّا دم التطوع -على الصحيح عندهم- يجوز ذبحه قبل يوم النحر، وإن كان ذبحه يوم النحر أفضل؛ ويجوز ذبح وقت الهدايا الأخرى من الكفارات في أيّ وقت شاء فيه المُحرم؛ لأنّها دماء لا تتعلق بيوم النحر، بل بجبران النقص في العبادة.
- مذهب المالكيّة
ذهب المالكيّة إلى القول بأنّ نحر الهديّ يكون يوم النحر، كما ذهبوا إلى أنّ الهديّ في فديّة المحظورات لا يختصّ بزمان أو مكان؛ فيجوز تأخير ذبحه حتى يعود الحاجّ إلى بلده.
- مذهب الشافعيّة
اختار الشافعيّة القول بأنّ هديّ التطوع أو النذر يكون بوقت الأضحيّة، أمّا إن كان بفعل المحظور أو ترك واجب فلا يتعلق الذبح بوقت محدد.
- مذهب الحنابلة
اعتبر الحنابلة أنّ وقت ذبح هديّ فديّة المحظور يدخل منذ ارتكاب المحظور، ويدخل وقت جزاء الصيد بعد جرحه، كما يدخل وقت ترك الواجب عند تركه، ويمتد وقت النحر وذبح الهدي إلى يوم النحر، ويومان بعده.
الاستعاضة عن ذبح الهدي بإخراج القيمة
أفتى أهل العلم بعدم جواز الاستعاضة عن ذبح الهديّ بإخراج قيمته، والتصدّق بها على الفقراء؛ بدلالة الكتاب والسنّة والإجماع؛ وتالياً بيان هذه الأدلة:[٩]
- قوله -تعالى-: (... فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ...)؛[٧] ووجه الدلالة في هذه الآية الكريمة، أنّ الله -تعالى- أوجب ذبح الهديّ في حق المتمتع القادر، ثم انتقل بعد ذلك إلى الصيام لغير القادر، ولم يتعرّض لذكر إخراج القيمة بدل الذبح، أو جعل -سبحانه- بدلاً للصيام، وأدلة السنّة النبويّة متفقة مع نصوص القرآن الكريم في هذه المسألة.
- إجماع الصحابة والتابعين، ومن جاء بعدهم؛ أخذوا بما دلّ عليه القرآن الكريم، وبما دلّت عليه السنّة النبويّة؛ في وجوب الهدي على المتمتع والقارن، ومن لم يجد فينتقل إلى الصيام.
- إنّ القول بجواز الاستعاضة عن الذبح بإخراج القيمة يفتح باباً واسعاً في إخراج الأبدال؛ لذا قيل بعدم الجواز سدّاً للذريعة التي قد تترتب على ذلك.
المراجع
- ↑ صالح المغامسي، آيات الحج في القران الكريم، صفحة 3، جزء 7. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 250-251، جزء 42. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية:95
- ↑ سورة الحج، آية:33
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1937، قال الألباني حسن صحيح.
- ^ أ ب سورة البقرة، آية:196
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2368، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، أبحاث هيئة كبار العلماء، صفحة 301-302، جزء 2. بتصرّف.