حكم حج الفريضة عن الميت

إذا كان المسلم لا يستطيع الحجّ في حياته وبقي على ذلك حتّى مات فلا يلزم الحجّ عنه بعد وفاته بالاتّفاق، لأنّ وجوب الحجّ قد سقط عنه لعدم الاستطاعة،[١] ولكن تعدّدت آراء الفقهاء في حكم الحجّ عمّن مات وعليه حجٌّ واجب، وبيان أقوالهم فيما يأتي:

  • القول الأول: عدم وجوب الحجّ عنه

ذهب الحنفية والمالكية إلى كراهة الاستنابة في الحجّ عن الميت، لأنّ الحجّ عبادةٌ بدنية كالصلاة، فتسقط عنه بوفاته كالصلاة، إلا في حال أوصى الميت بالحجّ عنه، فحينها تُنفّذ وصيّته في الثّلث من ترِكته.[٢]


  • القول الثاني: وجوب الحجّ عنه من رأس ماله

ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنّ من مات وعليه حجٌّ واجبٌ وَجَب الحجّ عنه من رأس ماله -أي ترِكته إن وُجد-، سواءً أوصى بذلك قبل موته أم لم يوصِ، لأنّ الحجّ باقٍ في ذمّته، واستدلّوا بقول الله -عز وجل-: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)،[٣] حيث عمّ الله -تعالى- الديون كلّها في هذه الآية، ولا شكّ أن الحجّ الواجب ديْنٌ على الميت أيضاً، فيجب قضاؤه عنه.[٤]


واستدلّ أهل العلم القائلين بوجوب أو جواز الحجّ عن الميت وانتفاعه بذلك بالعديد من الأحاديث النبوية الشريفة، ومنها ما يأتي:

  • عن بريدة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: (بيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقالَتْ: إنِّي تَصَدَّقْتُ علَى أُمِّي بجَارِيَةٍ، وإنَّهَا مَاتَتْ، قالَ: فَقالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ المِيرَاثُ، قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه كانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قالَ: صُومِي عَنْهَا، قالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قالَ: حُجِّي عَنْهَا).[٥]


  • عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-: (أنَّ امْرَأَةً مِن جُهَيْنَةَ جاءَتْ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حتَّى ماتَتْ؛ أفَأَحُجُّ عَنْها؟ قالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْها؛ أرَأَيْتِ لو كانَ علَى أُمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ؛ فاللَّهُ أحَقُّ بالوَفاءِ).[٦]


حكم حج التطوع عن الميت

تعدّدت آراء الفقهاء في حكم النيابة عن الميت في حجّ النّافلة، وتوضيح أقوالهم فيما يأتي:[٢]

  • إذا كان الميت لم يوصِ بها

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى جواز الحج عن الميت حجّ تطوُّعٍ لم يوصِ به مع الكراهة، أمّا الشافعية فقالوا بعدم جواز الاستنابة في الحجّ عن الميت حجّ تطوُّعٍ لم يوصِ به.


  • إذا أوصى الميت بحجّ تطوُّعٍ عنه

ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة وفي القول الأصحّ عند الشافعية إلى جواز حجّ التطوّع عن الميت إذا أوصى به، وجاء في قولٍ عند الشافعية بمنع ذلك، لأنّ جواز الحجّ عن الميت وَجَب لضرورة، وهي قضاء حجّ الفرض عنه، أمّا في حجّ النّفل فليس ذلك بضرورة.


شروط الاستنابة عن الميت في الحج

اشترط الشافعية والحنابلة وغيرهم من أهل العلم لجواز الاستنابة عن الميّت في الحجّ أن يكون النّائب قد حجّ عن نفسه أولاً حجّة الإسلام -أي الفريضة-، فإذا حجّ عن الميت دون أن يحجّ الفريضة لم تُجزئ حجّته عن الميت، بل تصير عن نفسه، بدليل ما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه: (سمعَ رجلًا يقولُ: لبَّيكَ عن شُبرمةَ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ: مَن شُبرمةُ قالَ قريبٌ لي قالَ: هل حجَجتَ قطُّ؟ قالَ: لا قالَ: فاجعَل هذِهِ عَن نَفسِكَ ثمَّ حُجَّ عن شُبرمةَ).[٧][٨]

المراجع

  1. "الحج عن الميت"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 15/5/2023. بتصرّف.
  2. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 45-46، جزء 42. بتصرّف.
  3. سورة النساء، آية:11
  4. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 323، جزء 2. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم:1149، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1852، صحيح.
  7. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2364، صححه الألباني.
  8. "ما يشترط في النائب"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 15/5/2023. بتصرّف.