حكم نقض الوضوء في الطواف
تعددت أقوال الفقهاء في من انتقض وضوؤه أثناء الطواف؛ هل يلزمه إعادة أشواط الطواف كاملة، أم يتوضأ ويُكمل؟ وتالياً بيان آرائهم في ذلك:[١]
- ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ الطائف إذا انتقض وضوؤه في الطواف، عليه أن يتوضأ ثم يُكمل الطواف؛ وهو قول الشافعيّة والحنابلة؛ واشترط الشافعيّة الاستئناف -أي البدء من جديد- إذا طالت المدة بين ترك الطواف وانقضاء الوضوء.
- ذهب المالكيّة إلى القول باستئناف الطواف إذا كان طوافاً واجباً؛ أمّا إن كان انقضاء الوضوء في طواف التطوع؛ فللطائف أن يتوضأ ليستأنف، ولا حرج عليه لو ترك الطواف.
- ذهب بعض أهل العلم -وهم الحنفيّة- إلى القول بعدم اشتراط الطهارة لصحّة الطواف، وإن كانت الطهارة أثناء الطواف أفضل وأكمل؛ لذا قالوا بجواز إتمام الطواف من غير طهارة؛ لعدم وجود دليل صريح يدلّ على الإلزام، إضافةً إلى أنّ القول بهذا فيه مشقة وكلفة على الناس؛ كمن انتقض وضوؤه في الزحمة الشديدة أيام موسم الحجّ والعمرة، فإنّه يلزمه الإعادة والبدء من جديد بعد إعادة الوضوء على رأي من اشترط الطهارة، وفي هذا كبير المشقة.[٢]
وعليه، فإن انتقض الوضوء في الطواف يجب على الطائف إعادة الوضوء على قول جمهور العلماء، والأكمل والأتم أن يستأنف لا أن يُكمل الأشواط؛ على اعتبار أنّ الطواف كالصلاة المكتوبة، تبطل كلّها ببطلان ركعة منها.[٣]
الطهارة وصحة الطواف
الطهارة شرط لصحة الطواف
ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشافعيّة والحنابلة إلى أنّ الطهارة شرط لصحة الطواف؛ وذلك استدلالاً بما جاء في الحديث الشريف، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الطَّوافُ بالبيتِ صلاةٌ إلَّا أنَّ اللَّهَ قد أحلَّ لكم فيهِ الكلامَ، فمن تكلَّمَ فلا يتَكَلَّمْ إلَّا بخيرٍ)،[٤][٥] كما استدلوا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حين حاضت بالحجّ: (... افْعَلِي ما يَفْعَلُ الحَاجُّ، غيرَ أَنْ لا تَطُوفي بالبَيْتِ حتَّى تَطْهُرِي...).[٦][٧]
ووجه الدلالة من هذه الأحاديث أنّ الطواف كحكم الصلاة؛ فلتزم له الطهارة من الأحداث والأنجاس والأخباث كما تلزم للصلاة، ومن طاف بغير طهارة دون حاجة معتبرة شرعاً طوافه باطل على رأي الجمهور.[٨]
لا تشترط الطهارة لصحة الطواف
ذهب الحنفيّة، والإمام أحمد في إحدى الروايات عنه؛ إلى القول بأنّ الطهارة واجب للطواف، وليس شرطاً من شروط الصحّة؛ وذلك استدلالاً بعموم قوله -تعالى-: (... وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)،[٩] وفي هذه الآية الكريمة جاء الأمر بالطواف مطلقاً غير مقيّد؛ أيّ دون أن تبيّن شروط صحّة الطواف، كما أنّ الآية الكريمة خبر قطعيّ، بينما نصّ الحديث خبر آحاد يفيد غلبة الظنّ، فحمل الحنفيّة الحديث على الوجوب.[٨]
كما قالوا إنّ فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وطوافه على طهارة؛ مجرد فعل لا يدل على الوجوب.[٢] وقد رجّح جمعٌ من أهل العلم -من المتأخرين- قول الجمهور، وقالوا إنّ القول بعدم اشتراط الطهارة الذي ذهب إليه الحنفيّة؛ رأيّ مرجوح.[٧]
المراجع
- ↑ ابن المنذر، الإشراف على مذاهب العلماء، صفحة 365، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن عثيمين، الشرح الصوتي لزاد المستقنع، صفحة 391، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ابن عثيمين، فتاوى نور على الدرب، صفحة 2، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:154، قال ابن الملقن حديث صحيح أو حسن.
- ↑ عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 18، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1211، صحيح.
- ^ أ ب محمد بن محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 265. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 130-131، جزء 29. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:29