فضل لمس الحجر الأسود وتقبيله

استلام الحجر الأسود باليدين وتقبيله أمرٌ مسنونٌ ومرغَّبٌ فيه بالشرع رغم أنّه حجرٌ لا يضرّ ولا ينفع، وهذا يُعلّم المسلم أهمية التسليم لله -سبحانه- في أمور دينه، وحسن الاتّباع حتى وإن لم يعلم الحكمة من ذلك، ولعلّ من أبرز فضائل تقبيل الحجر الأسود ما يأتي:[١]

  • اتّباع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به تعبُّداً لله

والمسلم مأجورٌ على استلام وتقبيل الحجر الأسود إن استطاع لأنّه اتّبع السنّة، ويدلّ على ذلك قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (وَاللَّهِ إنِّي لأُقَبِّلُكَ، وإنِّي أَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ، وَأنَّكَ لا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قَبَّلَكَ ما قَبَّلْتُكَ).[٢]


وهذا دليلٌ على أنّ الحجر في ذاته لا يُرجى منه النّفع أو يسبّب الضرر، وإنّما يفعل عمر -رضي الله عنه- ذلك اتِّباعاً للنبيّ الكريم وتعبُّداً لله -تعالى- وتسليماً للشرع، ومن الأحاديث التي تدلّ على اهتمام النبيّ الكريم بهذا الفعل أيضاً قول سويد بن غفلة: (رَأَيْتُ عُمَرَ قَبَّلَ الحَجَرَ وَالْتَزَمَهُ، وَقالَ: رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بكَ حَفِيًّا)،[٣] أي معتنياً به بالاستلام والتقبيل.


  • تعظيم الله -تعالى- وشعائره

إنّ في استلام الحجر الأسود تعظيماً لله -تعالى- الذي رغّب نبيّه بهذا الفعل، وتعظيماً لشعائره لأنّه من شعائر الحجّ والعمرة التي أمر الله -سبحانه- بتعظيمها، وهذا بلا شكّ يغرس في نفوس النّاس عظمة الخالق وعظمة بيته الكريم وشعائره.


  • تكفير الذنوب والخطايا

جاء في الحديث الحسن أنّ عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- كان يحرص على استلام الحجر الأسود ومسحه بيديه لأنّ فيه تكفيراً للخطايا، ففي الحديث: (أنَّ ابنَ عُمرَ كان يُزاحِمُ على الركنينِ زِحامًا ما رأيتُ أحدًا مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَفعلُه، فقلتُ: يا أبا عبد الرحمن، إنَّك تُزاحِمُ على الُّركنينِ زِحامًا ما رأيتُ أحدًا من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُزاحِمُ عليه؟! فقال: إنْ أفعلْ، فإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ: إنَّ مَسْحَهُما كفَّارةٌ لِلخطايا...).[٤]


  • شهادة الحجر لمن قبّله يوم القيامة

جاء في الأحاديث النبوية الشريفة أنّ الحجر الأسود يشهد لمن استلمه يوم القيامة، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (واللهِ ليبعثَهُ اللهُ يومَ القيامةِ، لهُ عَينانِ يُبصرُ بهِما، ولسانٌ ينطقُ بهِ، يشهدُ على مَن استلمَهُ بحقٍّ)،[٥] وقال: (إنَّ لِهَذا الحجَرِ لسانًا وشفَتينِ يشهَدُ لمنِ استَلمَهُ يومَ القِيامةِ بحقٍّ).[٦]


كيفية استلام الحجر الأسود

علّم النبي -صلى الله عليه وسلم- أمّته الكيفية المشروعة لتعظيم واستلام الحجر الأسود، وتوضيح ذلك فيما يأتي:[٧]

  • يُسنّ للمسلم عند بدء الطواف أن يبتدئ باستلام الحجر الأسود، ويُقبّله إن تمكّن من ذلك دون أن يُزاحم المسلمين ويؤذيهم، ويدلّ على ذلك أنّ رجلاً سأل ابن عمر -رضي الله عنه- عن الحجر الأسود، فقال ابن عمر: (رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْتَلِمُهُ ويُقَبِّلُهُ...).[٨]


  • إن لم يتمكّن من ذلك استلم الحجر الأسود بِيَدِه، ومسح الحجر الأسود بها ثمّ قبّلها، أو يستلمه بعصا ونحوها ويُقبّل ما وصلت إليه من الحجر الأسود، فإن لم يتمكّن من تقبيل الحجر الأسود واستلامه بِيَدَيْه خشية إيذاء المسلمين بالمزاحمة أشار للحجر بيدِه ولو من بعيدٍ.


  • يُسنّ للمسلم كلّما مرّ بمحاذاة الحجر الأسود أن يُشير إليه ويُكبّر الله -تعالى-، فعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: (طَافَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالبَيْتِ علَى بَعِيرٍ، كُلَّما أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إلَيْهِ بشيءٍ كانَ عِنْدَهُ وكَبَّرَ)،[٩] وجاء عن ابن عمر -رضي الله عنه- أن صفة التكبير عند استلام الحجر الأسود هي: "بسم الله، والله أكبر".


  • تجدر الإشارة إلى أهمية عدم إيذاء الطائفين وإضرارهم للتمكّن من تقبيل الحجر الأسود، فهذا الإيذاء يُفوّت على صاحبه الأجر والثواب، ويشتدّ النهي عن ذلك للنساء في أوقات الزحام.


معلومات عن الحجر الأسود

جاء في العديد من الروايات أنّ الحجر الأسود حجرٌ من الجنّة، وقد كان شديد البياض، ولكن سوّدته ذنوب بني آدم، وهو الجزء الذي بقي من أحجار الكعبة التي بناها إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يُكرم هذا الأثر، ويُقبّله ويستلمه في طواف الحج أو العمرة، ويفعل المسلمون ذلك اقتداءً بالنبي الكريم وتعبُّداً لله -سبحانه- مع يقينهم بأن الحجر في ذاته لا يضرّ ولا ينفع.[١٠]

المراجع

  1. عبد الله الفوزان، منحة العلام في شرح بلوغ المرام، صفحة 290-291، جزء 5. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أسلم مولى عمر، الصفحة أو الرقم:1270، صحيح.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أسلم مولى عمر، الصفحة أو الرقم:1271، صحيح.
  4. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:959، حسن.
  5. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:961، حسن.
  6. رواه ابن خزيمة، في صحيح ابن خزيمة، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:384، أخرجه في صحيحه.
  7. الشيخ ندا أبو أحمد، "فضل الحجر الأسود"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 7/5/2023. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1611، صحيح.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1613، صحيح.
  10. "حقيقة الحجر الأسود وحكمة تقبيله"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 7/5/2023. بتصرّف.