تعريف النيابة في الحج

النيابة في الحج هي قيام المسلم مقام غيره في أداء مناسك الحج، أو هي حجّ المسلم عن غيره،[١] وسيتمّ في هذا المقال الحديث عن أقسام النيابة في الحج وبيان أهمّ أحكامها، وهي أربعةٌ على النحو الآتي:

  • النيابة في الحجّ عن العاجز عن أداء الحج.
  • النيابة في الحجّ عن الميّت.
  • النيابة في حجّ التطوّع عن الغير.
  • حكم النيابة في الحجّ عن القادر.


النيابة في فريضة الحج عن غير القادر وأحكامها

حكم الحج عن غير القادر على الحج بنفسه

تعدّدت آراء الفقهاء في حكم النيابة في الحجّ عن غير القادر أو العاجز عن أداء الحجّ بنفسه، وبيان أقوالهم فيما يأتي:


قول جمهور الفقهاء

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى القول بجواز وصحّة النيابة في حجّ الفريضة عن غير القادر على أدائه، بشرط أن يكون الذي وجَب عليه الحجّ عاجزاً عن القيام بذلك بنفسه بسبب مرضٍ لا يُرجى شفاؤه أو لمانعٍ آخر ميؤوسٌ زوالُه، وأن يكون لديه المال الكافي لاستنابة غيره بالحجّ عنه.[٢]


وقد أوجب الشافعية والحنابلة الحج عن العاجز إذا كان يملك القدرة المالية، فقالوا: "يجب على من أعجزه كبر أو مرض لا يرجى برؤه أن يقيم من يحج عنه إن كان له مال"، لقوله -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،[٣] ومَن كان مستطيعاً بماله وغير مستطيعٍ ببدنه يُمكنه أن يقيم مكانه غيره، فيدخل في الآية الكريمة.[٤]


ويدلّ على ذلك أيضاً إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- للمرأة التي جاءت تسأله بالحجّ عن أبيها، فقد جاءت امرأةٌ من خثعم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجّة الوداع، فقالت له: "يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ علَى عِبَادِهِ في الحَجِّ أدْرَكَتْ أبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ علَى الرَّاحِلَةِ، فَهلْ يَقْضِي عنْه أنْ أحُجَّ عنْه"؟ قالَ: (نَعَمْ).[٥]


قول المالكية

ذهب المالكية إلى القول بعدم جواز النيابة في الحجّ عن غير القادر عليه مطلقاً، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،[٣] وغير القادر على الحجّ بنفسه غير مستطيع، فيسقط عنه فرض الحج لعدم استطاعته.[٢]


إذا برأ العاجز بعد استنابة غيره عنه

إذا استناب العاجز غيره بالحجّ عنه من ماله ثمّ شافاه الله من مرضه؛ هل يسقط الحجّ عنه أم لا؟ فقد تعدّدت آراء جمهور الفقهاء في ذلك، ونذكر أقوالهم فيما يأتي:[٤]

  • القول الأول: يجب عليه أن يحجّ بنفسه إذا شافاه الله -تعالى- وكان مستطيعاً، ولا تُجزئه الاستنابة عن حجّ الفريضة في حقّه، وهو قول الحنفية والشافعية.
  • القول الثاني: يسقط عنه فرض الحج، وتُجزئه النيابة السابقة، وهو قول الحنابلة.


النيابة في فريضة الحج عن الميت وأحكامها

إذا كان الميت بالغاً عاقلاً ولم يتمكّن من أداء الحجّ في حياته لفقده لشروط الاستطاعة فلا يَلزم على غيره أن يحجّ عنه حتى وإن كان من ورثته أو من ماله أو من مال غيره إلا إذا كان حجّ تطوُّعٍ -كما سيأتي بيانه-، فإن مات المسلم وقد استقرّ في ذمّته وجوب الحجّ عليه لاستطاعته على ذلك أثناء حياته فقد تعدّدت آراء الفقهاء في حكم الحجّ عنه:[٦]

  • القول الأول: لا يجب الحج عنه إلا إذا أوصى بذلك قبل موته، ويكون تطوُّعاً، وهو قول الإمامين أبي حنيفة ومالك. وقال الإمام مالك أيضاً: النيابة لا تجوز في فرض الحج عن الميت إلا إذا أوْصى الميت أن يحجّ غيره عنه من ماله، فتُنفّذ وصيّته من ثلث ماله.[٧]
  • القول الثاني: يجب الحجّ عنه من تركته، سواءً أوصى بذلك قبل موته أم لم يوصِ، وهو قول الإماميْن الشافعي وأحمد.


النيابة في حج التطوّع وأحكامها

تعدّدت آراء الفقهاء في جواز النيابة في حجّ التطوّع، وبيان أقوالهم فيما يأتي:[٨]

  • القول الأول: لا تجوز النيابة في حجّ التطوّع إلا عن الميت أو الحي المُكره المغصوب على عدم أداء الحج، وهو قول الشافعية، لأنّ التطوّع يُتوسّع فيه ما لا يُتوسّع في الفرض، ومن باب أوْلى جوازه في النّفل.
  • القول الثاني: لا تُشرع الاستنابة في حج التطوع عن الغير مُطلقاً، إذْ لمّا جازت النيابة في حج الفرض عن الميت كانت للضرورة، ولا ضرورة في غير الفرض، لِذا لا تجوز الاستنابة فيه.


النيابة في فريضة الحج عن القادر وحكمها

لا تجوز النيابة في الحجّ عن القادر على الحجّ بنفسه مطلقاً، لقول الله -سبحانه-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،[٣] ونقل ابن حجر وابن قدامة -رحمهما الله- وغيرهما الإجماع على ذلك، إذْ لا توجد رُخصةٌ تُبيح النيابة في الحج عن القادر.[٩]

المراجع

  1. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 32، جزء 4. بتصرّف.
  2. ^ أ ب عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 32-34، جزء 4. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت سورة آل عمران، آية:97
  4. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 320-322، جزء 2. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1854، صحيح.
  6. "النيابة عن الميت لأداء الحج أو الصلاة"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 29/8/2023. بتصرّف.
  7. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 32، جزء 4. بتصرّف.
  8. "النيابة في حج النفل"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 29/8/2023. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 320-322، جزء 2. بتصرّف.