وضع زيت الشعر قبل الإحرام
يُستحب للمُحرم بعد غسل الإحرام أن يُلبّد رأسه؛ أيّ ضمّ الشعر، وجمعه مع بعضه البعض؛ بوضع مادة تُساعد على ذلك كالزيت، والعسل، والخطمي -أحد أنواع النباتات-، وأنواع الأدهان الأخرى، سواء كان مطيّباً أم لا.[١]
وذلك ليقلل من شعث شعر المُحرم، وتفرّقه، واجتماع الغبار والأتربة، وهوام الرأس فيه أثناء أداء النُسُك؛ فيكون التلبيد أرفق به،[٢] وهذا الاستحباب قول عند الحنفيّة، وقول عند المالكيّة، وعليه مذهب الشافعيّة؛ كما نقل النووي الإجماع فيه.[١]
ويُستدل على ذلك بما ثبت في السنة النبويّة؛ نذكر من ذلك:[١]
- ما ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُهِلُّ مُلَبِّدًا يقولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ...).[٣]
- ما ثبت عن أم المؤمنين حفصة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (إنَّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، قالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلتُ: ما يَمْنَعُكَ أَنْ تَحِلَّ؟ قالَ: إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فلا أَحِلُّ حتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي).[٤]
- ما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّ رَجُلًا كانَ مع رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- مُحْرِمًا، فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: اغْسِلُوهُ بمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْهِ، وَلَا تَمَسُّوهُ بطِيبٍ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فإنَّه يُبْعَثُ يَومَ القِيَامَةِ مُلَبِّدًا)؛[٥] وهذا الحديث -مع ما سبقه- يدلّ على استحباب تلبيد الشعر للمُحرم.
وضع زيت الشعر بعد الإحرام
اتفق الفقهاء على أنّ المُحرم إذا عقد نيّة الإحرام، لا يجوز له وضع الأدهان المُطيّبة؛ لا سيما إن كان يتخذّه لذات الطيب والرائحة الحسنة -كماء الورد-، أمّا إن كان الدّهن من غير طيب أو رائحة عطريّة؛ فقد تعددت آراء الفقهاء في ذلك على النحو الآتي:[٦]
- ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى عدم جواز استعمال الزيت أو الدّهن غير المطيّب للمُحرم؛ سواء أكان في رأسه أو لحيته، أو عامّة بدنه؛ إلا إذا كان لضرورة مُعتبرة كالتداوي مثلاً؛ فيجوز عندهم استعماله.
- ذهب الشافعيّة إلى جواز استعمال المُحرم لمثل هذه الأدهان والزيوت -كالشيرج، والزيت، والزّبد، والسمن-؛ في عموم بدنه، ولا يجوز له استعمالها في رأسه ولحيته.
- ذهب الحنابلة -على المعتمد في مذهبهم- إلى جواز استعمال الأدهان غير المطيّبة في جميع البدن.
أحكام الحلق والتقصير لمن لبّد رأسه
خيّر الله -سبحانه- المُحرم بين حلق الشعر وتقصيره عند التحلل من الإحرام؛ لقوله -تعالى-: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ...)؛[٧] ولقوله -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء للمُحلّقين والمقصّرين: (اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ قالوا: والمُقَصِّرِينَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ قالوا: والمُقَصِّرِينَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: والمُقَصِّرِينَ).[٨][٩]
ولقد تعددت أقوال أهل العلم فيمن لبّد رأسه بدهن أو زيت، أو ظفّره -جعله ظفيرة-، أو عقصه -ربط شعره-؛ أيكون في حقّه الحلق أو التقصير؛ فذهب بعض الفقهاء إلى وجوب الحلق في حقّه؛ وهو قول المالكيّة، والشافعيّة -في القديم-، والحنابلة، ومن وافقهم من أصحاب السلف؛ وبه أفتى عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله -رضي الله عنهما-؛[١٠] استدلالاً بقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الضعيف: (مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ فَلْيَحْلِقْ).[١١][١٢]
بينما ذهب ابن عباس -رضي الله عنه- أنّ المُحرم على ما نوى؛ إن كان تقصيراً فله ذلك، وإن كان حلقاً فله ذلك؛ واختار الحنفيّة والشافعيّة -في المذهب الجديد-، وأصحاب الرأي إلى بقاء التخيير في حق المُحرم؛ محتجّين بعموم أدلة التخيير بين الحلق والتقصير، ومتعللين بأنّ القول بلزوم الحلق لتعذّر التقصير غير صحيح، إذ يستطيع المُحرم مع التلبيد تقصير شعره؛ إلا إن كان التلبيد بصمغ يتعذّر معه انسدال الشعر على الوجه أو نحوه.[١٢]
المراجع
- ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 83-84، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ السبكي، محمود خطاب، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق، صفحة 48، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5915، صحيح متفق عليه.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن حفصة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1229، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1206، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 33-34، جزء 21. بتصرّف.
- ↑ سورة الفتح، آية:27
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1727 ، صحيح.
- ↑ عبد العظيم بدوي، الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز، صفحة 254. بتصرّف.
- ↑ ابن المنذر، الإشراف على مذاهب العلماء، صفحة 357، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه البيهقي، في السنن الكبرى، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:135، فيه عاصم بن عمر العمري ضعيف ولا يثبت مرفوعا.
- ^ أ ب العراقي، طرح التثريب في شرح التقريب، صفحة 116-117، جزء 5. بتصرّف.