أعمال يوم عرفة لغير الحاج

الصيام

أجمع الفقهاء على استحباب صيام يوم عرفة لغير الحاج؛ وذلك لما ثبت في فضل صيامه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (... يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ)؛[١] وهذا فضل عظيم وخير كثير يمنّ الله -تعالى- به على عباده، إذ يجعل لهم صيام يوم واحد مكفّراً لذنوب سنتين؛ سنة مضت، وسنة آتية.[٢]


وينبغي التّنبيه إلى أنّ هذا الصيام المستحبّ هو في حقّ غير الحاج؛ أمّا الحاج فإنّه يُكره له الصوم؛ حتى يتقوّى على العبادة والطاعات في يوم عرفة، ولأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف بعرفة -وهو حاجّ- مفطرٌ؛ فقد ثبت في الصحيح أنّ أم الفضل أرسلت بقدحٍ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو واقف على بعيره بعرفة؛ فشربه.[٢]


الدعاء

كان الصالحون من السلف ينتظرون يوم عرفة ليكثروا فيه من الدعاء، وكان بعضهم يدّخر دعواته لهذا اليوم؛ لأنّه مظنّة إجابة، وأكثره بركة، وأعظمه أجراً، وأقربه إجابة؛ فقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفَةَ...)؛[٣] وقد تعدّدتْ آراء أهل العلم في مسألة العتق من النار لغير الحجّاج؛ فمنهم من قال أنّه فضل خاص للحاجّ؛ لأنّه جمع بين شرف الزمان وشرف المكان، وشرف العبادة.[٤]


ومنهم من قال إنّه فضل عام يشمل من أهلّ بالحج، وغيره؛ استدلالاً بعموم الأدلة الثابتة في فضل يوم عرفة، حيث صحّ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)،[٥] ولعلّ الأقرب أنّ هذه الفضائل تشمل الحاجّ وغيره؛ فالفضل يكون ليوم عرفة ذاته في شتّى البقاع، ولا يُقتصر فضله على مكان عرفة وموقفه.[٦]


الذكر

ثبت عن بعض السلف الصالح أنّهم كانوا يُجيزون الاجتماع في المساجد، ومجالس الذكر يوم عرفة؛ وقد ورد ذلك في فعل غير واحد من الصحابة الكرام، فكانوا يجتمعون؛ ويذكرون الله -تعالى-، ويدعونه، ويستعينون على العبادة مع بعضهم؛[٧] كما ثبت في الصحيح أنّ ابن عمر وأبا هريرة -رضي الله عنهما- كانا يخرجان في أيام العشر إلى السوق، ويُكبران فيه حتى يكبّر الناس معهما.[٨]


ومما يدلّ على استحباب الذّكر في يوم عرفة؛ قوله -سبحانه وتعالى-: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ...)؛[٩] حيث جعل الله -تعالى- أيام ذي الحجة كلّها من الأيام المعلومات؛ التي أمر فيها بالإكثار من ذكره -سبحانه-.[١٠]


وتجدر الإشارة إلى أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بيّن بعض أنواع الذكر المستحبة في هذا اليوم؛ فقال: (ما مِن أيَّامٍ أَعظَمَ عِندَ اللهِ، ولا أَحَبَّ إلَيهِ مِنَ العملِ فيهِنَّ مِن هذِه الأَيَّامِ العَشرِ؛ فأَكثِرُوا فيهِنَّ مِنَ التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ)،[١١] وورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: (خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفَةَ، وخيرُ ما قلْتُ أنا والنبيونَ من قبلي لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ).[٣][١٢]


عموم الأعمال الصالحة

يُستحب في هذا اليوم القيام بجميع أنواع العمل الصالح؛ من صدقة، وتوبة، وقضاء حوائج، وإدخال السرور على المحتاجين، واعتكاف، وقراءة القرآن الكريم، واستغفار، وتفطير الصائمين، والصلاة، ونحو ذلك من العبادات والأعمال؛ لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم- في حقّ أيام ذي الحجة: (ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه...).[١٣][١٤]


حكم التلبية في يوم عرفة لغير الحاج

ذهب بعض أهل العلم إلى القول بأنّ التلبية من الأمور التي شرعها الله -سبحانه وتعالى- للحاج والمعتمر؛ والتي هي إجابة لأذان إبراهيم -عليه السلام- في الناس ليأتوا إلى البيت الحرام، ويؤدوا شعائر الله -تعالى-، فلا يصحّ من غير الحاج الإتيان بها في يوم عرفة، كما أنّ هذا الأمر يحتاج إلى دليل ينصّ على جواز ذلك، ويُستحسن لغير الحاج أن يستثمر وقته بالذكر والدعاء لفضلهما في هذا اليوم كما أشرنا سابقاً.[١٥]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم:1162، صحيح.
  2. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 280-281، جزء 59. بتصرّف.
  3. ^ أ ب رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن جد عمرو بن شعيب، الصفحة أو الرقم:3585، قال المنذري إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
  4. أبو الوليد الباجي، المنتقى شرح الموطإ، صفحة 358، جزء 1. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1348، صحيح.
  6. محمد صالح المنجد، الإسلام سؤال وجواب، صفحة 4303، جزء 5. بتصرّف.
  7. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 335، جزء 45. بتصرّف.
  8. ابن رجب الحنبلي، فتح الباري، صفحة 8، جزء 9. بتصرّف.
  9. سورة الحج، آية:28
  10. مجموعة من المؤلفين، أبحاث هيئة كبار العلماء، صفحة 311، جزء 2.
  11. رواه الإمام أحمد، في المسند، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5446، صحيح.
  12. سعيد بن وهف القحطاني، صلاة العيدين، صفحة 81. بتصرّف.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:969، صحيح.
  14. سعيد بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 33. بتصرّف.
  15. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 655، جزء 8. بتصرّف.