حكم العمرة بالتقسيط

تعددت أقوال أهل العلم في حكم أداء مناسك العمرة بالتقسيط؛ أيّ الاستدانة للذهاب إلى بيت الله الحرام؛ ومن ثم تقسيط المبلغ المطلوب على دفعات محددة؛ وخلاصة ما ذهبوا إليه يقضي بجواز استدانة المال لأداء مناسك العمرة ضمن ضوابط محدّدة.


ويمكن بيان آراء أهل العلم في ذلك على النحو الآتي:[١]

  • ذهب الحنفيّة إلى أنّ الاستدانة لما شرط الله -تعالى- وجوبه كالحجّ خلاف الأفضل لمن لا يرجى منه السداد؛ بينما ذهب المالكيّة إلى القول بالكراهة وقيل بالتحريم في حقِّ من لا يُرجى منه السّداد.
  • ذهب المالكيّة والشافعيّة إلى القول بوجوب الاستدانة لأداء النُّسُك الواجب -من الحجّ والعمرة-؛ لمن يُرجى منه السداد، وهو الأفضل عند الحنفيّة.
  • ذهب الحنابلة -مما يُفهم من المغني- إلى أنّ من أمكنه الحجّ بالاستدانة لا يلزمه ذلك؛ أيّ لا يتوجب عليه أداء النُسُك بالاستدانة؛ ولكن يُستحب له القيام بذلك إنْ أمن الضرر على نفسه أو على غيره.
  • ذهب بعض أهل العلم -من المتأخرين- إلى القول بأنّ الاستدانة لهذا الغرض لا تجب على المسلم؛ لأنّ من شروط الاستطاعة أن يمتلك المسلم مالاً يكفي لنفقة الحجّ أو العمرة، ويكون زائداً عن نفقته الأصلية، ونفقة من يلزمه الإنفاق عليهم حتى يرجع؛ فالاستطاعة سبب لأداء النُسُك. ولكنّهم مع القول بعدم وجوب الاستدانة، أجازوا أخذ القروض الحسنة، أو الدخول في معاملات ماليّة مباحة لأجل أداء المناسك؛ إذا علم المسلم من نفسه القدرة على السداد.[٢]


حكم إرسال بعثات لأداء العمرة بالتقسيط

يلجأ كثير من أصحاب الجمعيات التعاونية، والمكاتب السيّاحيّة، ونحوها من المؤسسات؛ إلى إرسال البعثات للديار المقدّسة لأداء المناسك من الحجّ والعمرة، مقابل التعاقد على الدفع أو السّداد بأقساط شهريّة؛ وقد تكلّم أهل العلم من المتأخرين في حكم هذه المسألة، وقاسوها على إجارة الذمة؛ لأنّ المنفعة المعقود عليها هنا، وهي الحمل إلى الديار المقدّسة؛ متعلقة بذمة المُؤجِر، لذا سمّيت إجارة الذمة؛ أيّ إنّ المنفعة متعلقة بذمة المُؤجِر لا بعين محددة لذاتها.[٣]


وبناء عليه؛ أجاز أهل العلم إرسال البعثات لأداء المناسك مقابل السّداد بالأقساط الشهريّة؛ على أن تتكفل الجهة المسؤولة عن هذه البعثات بجميع الأمور المتفق عليها، وأن تكون هي المسؤولة أمام أيّ تقصير أو تعدٍّ أو تغيير أمام المعتمرين أو الحجّاج؛ لأنّ الأصل في جواز إجارة الذمة أن تكون المنفعة محددة الأوصاف، ممّا يرفع عنها الجهالة، ومما يُميزها عن غيرها.[٣]


شروط مال العمرة

اشترط أهل العلم في مال ونفقة العمرة أو الحجّ؛ أن يكون ذلك من أطيب جهة، بعيدة عن الشبهات المُحرّمة؛ لأنّ الله -تعالى- طيّب لا يقبل إلا طيّباً؛ واستدلّ بعضهم بما رُوي في الحديث الضعيف: (إذا خرج الحاجُّ حاجًّا بنفقةٍ طيبةٍ، ووضع رجلَيهِ في الغرزِ، فنادى : لبيك اللهم لبيكَ، ناداه منادٍ من السماءِ: لبيك وسعديكَ، زادُك وراحلتُك حلالٌ، وحجُّكَ مبرورٌ غيرُ مأزورٌ، وإذا خرج بالنفقةِ الخبيثةِ فوضع رجلَه في الغرزِ فنادى: لبيك، ناداه منادٍ من السماءِ: لا لبيك ولا سعديكَ، زادُك حرامٌ، ونفقتُك حرامٌ، وحجُّك غيرُ مبرورٍ).[٤][٥]


وهذا الحديث له شاهد يؤكد ويقوي معناه؛ حيث ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (أَيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا... ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟!).[٦][٥]


والذي يحجّ أو يعتمر بمالٍ فيه شبهة، أو بمال حرام؛ خِيفَ عليه من عدم قبول النُسُك، والدعاء والصلاة، وسائر العبادات؛ لذا أجاز بعض أهل العلم لمن وجد في ماله شبهة أن يقترض مالاً حلالاً طيّباً لأداء النُسُك.[٥]

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 263، جزء 3. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 19010، جزء 11. بتصرّف.
  3. ^ أ ب لجنة الإفتاء (7/4/2013)، "حكم إرسال بعثات لأداء العمرة بأقساط شهرية"، دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 21/5/2023. بتصرّف.
  4. رواه الطبراني، في المعجم الأوسط، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:5228، قال المنذري لا يتطرق إليه احتمال التحسين إشارة إلى ضعفه.
  5. ^ أ ب ت السبكي، محمود خطاب، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق، صفحة 18-19، جزء 9. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1015، صحيح.