شروط عمل أكثر من عمره
يُشترط عند مَن أجاز أداء أكثر من عمرةٍ في نفس الفترة أن يخرج المعتمر إلى أدنى الحلّ ويُحرم منه، وهذا هو الشرط الوحيد، فمَن أدّى عمرةً وأراد أن يُحرم للعمرة الثانية؛ يجب عليه أن يخرج إلى إحدى مناطق الحِلّ خارج حدود الحرم؛ كمنطقة التّنعيم، فيحرِم من الحِلّ ثمّ يرجع لأداء العمرة الثانية، أمّا مَن أراد عمل أكثر من عمرةٍ عن شخصٍ مُتَوفّى مثلاً أو لا يُرجى برؤه فيُشترط أن يكون قد أدّى العمرة عن نفسه أولاً بالإضافة إلى الشرط السابق.[١]
ويدلّ على ذلك أنّ عائشة -رضي الله عنها- قد اعتمرت عمرتين في حجة الوداع، وبينهما أقلّ من عشرين يوماً، فأمرها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن تخرج إلى التنعيم وتحرم منه لأداء العمرة الثانية، فعن عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ- بَعَثَ معهَا أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فأعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ...).[٢]
حكم أداء أكثر من عمرة في نفس الفترة
تعدّدت آراء أهل العلم في حكم أداء أكثر من عمرةٍ في سفرةٍ واحدةٍ بالخروج إلى التنعيم على اعتبار أنّه أدنى الحل إلى مكة لأداء العمرة الثانية، أو أداء أكثر من ذلك بالترداد بين الحِلّ والحرم، ونبيّن أقوالهم فيما يأتي:
القول الأول: الجواز
قال ابن قدامة -رحمه الله-: "لا بأسَ أن يَعْتَمِرَ في السَّنَةِ مِرَارًا، رُوِي ذلك عن عليّ، وابنِ عمرَ، وابنِ عَبَّاسٍ، وأنَسٍ، وعائشةَ، وعَطاءٍ، وطاوُسٍ، وعِكْرِمَةَ، والشَّافِعِيّ..."،[٣] وقد رخّص جمهور العلماء للمسلم الذي اعتمر أن يأتي بعمرةٍ ثانية في نفس السَّفْرة، وخاصة إذا كان بلده بعيداً بحيث يصعب عليه العودة من جديد، فيخرج إلى أدنى الحلّ ويُحرم للعمرة الثانية.[٤]
ولا حرج في ذلك لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- رغّب بأداء العمرة إلى العمرة، ولم يُحدّد بين العمرتين وقتاً معيَّناً، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ)،[٥] وقال أصحاب هذا القول: ليس هناك ما يمنع من أداء أكثر من عمرةٍ في نفس الفترة، ولا يوجد دليلٌ يمنع ذلك، فالأصل هو الجواز، ولا يُعدل عن الأصل إلا بدليلٍ صحيح.[٦]
ويدلّ على جواز أداء أكثر من عمرتين أن عائشة -رضي الله عنها- اعتمرت أكثر من مرةٍ في أقلّ من عشرين يوماً، أمّا اشتراط المدة بين العمرتين فليس فيه دليلٌ واضح، ولكن قال بعض أهل العلم: إذا كان في أداء أكثر من عمرةٍ مشقَّةٌ على الناس من حيث الزّحام وكثرة أعداد المعتمرين فالأولى ترك ذلك والاقتصار على عمرةٍ واحدةٍ، حتّى لا يشقّ المسلم على غيره.[٧]
القول الثاني: تحديد مدّة بين العمرتين
ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ مَن أراد أداء أكثر من عمرةٍ في نفس الفترة فعليه أن ينتظر بينهما مقدار ما ينبت فيه الشعر حتى يستطيع حلقه بعد التحلّل، فقد قال الإمام أحمد: "لَا يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الْعُمْرَةِ لَا مِنْ مَكَّةَ وَلَا غَيْرِهَا بَلْ يَجْعَلُ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مُدَّةً وَلَوْ أَنَّهُ مِقْدَارُ مَا يَنْبُتُ فِيهِ شَعْرُهُ وَيُمْكِنُهُ الْحِلَاقُ"،[٨] وقدّر بعض أهل العلم هذه المدّة بأربعين يوماً، وقيل: إلى إنبات الشعر، وقيل: يقصّ في الأولى حتى يستطيع أداء أكثر من عمرةٍ فيحلق في الثانية أو الأخيرة.[٩]
القول الثالث: الكراهة مطلقاً
كره العديد من العلماء أداء أكثر من عمرةٍ في نفس الفترة، لأنّه لم يثبت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ولم يكن ذلك من هدْيِهِم، بل كانوا يجعلون لكلّ عمرةٍ سفرة مستقلّة، فيأتون إليها من المدينة محرمين.[١٠]
وإنّما أذِن النبي الكريم لعائشة بأداءِ عمرةٍ ثانية في نفس الفترة تطييباً لخاطرها لظرفٍ خاص، لأنّها أدخلت عمرتها بالحجّ قارنة بسبب حيضها، مع أنّها كانت تريد أداء عمرة تمتّع مستقلّة كصُوَيْحِباتها، فأمر النبي ابن أبي بكر أن يأخذها للتنعيم، فمَن حصل لها هذا الظرف فربما جاز في حقّها أداء أكثر من عمرةٍ في نفس الفترة بالخروج إلى أدنى الحلّ.[١٠]
المراجع
- ↑ "حكم الاعتمار أكثر من مرة في سفر واحد"، دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 6/3/2023. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1516، صحيح.
- ↑ ابن قدامة، المغني، صفحة 16، جزء 5.
- ↑ "من كان بمكة وأراد أن يعتمر مرة أخرى ماذا يفعل؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 6/3/2023. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1773، صحيح.
- ↑ عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 43، جزء 549. بتصرّف.
- ↑ الشيخ ابن باز، "حكم تكرار العمرة في نفس الموسم"، الموقع الرسمي للشيخ ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 6/3/2023. بتصرّف.
- ↑ ابن تيمية، مجموع الفتاوى، صفحة 45، جزء 26.
- ↑ محمد الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 16، جزء 213. بتصرّف.
- ^ أ ب الشيخ سعيد بن مسفر، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 13، جزء 38. بتصرّف.