شرع الله -سبحانه وتعالى- جملةً من العبادات التي يؤدّيها المسلم؛ فيحوز بها الثواب والأجر، وإنّ العبادات لا تكون مقبولةً إلّا إذا توافر فيها شرطان، هما:[١]

  • الإخلاص؛ فلا بُدّ أن تكون العبادة خالصةً لله -عزّ وجلّ- وحده؛ أي ألّا يقصد بها رياءٌ ولا شهرة.
  • أدائها بالصورة التي شرعها الله تعالى بها وفق سنّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ونهجه.

ومن بين هذه العبادات شعيرة العمرة، التي بيّنت نصوص الكتاب والسنّة النبويّة كيفيّة أدائها وما يتصل بها من أركانٍ وواجباتٍ وشروطٍ ومستحبّات، وآتيًا في هذا المقال بيان ذلك وتوضيحه.


شروط ومناسك العمرة

شروط العمرة

شروط العمرة هي ذاتها شروط الحج عند القائلين بفرضيتها وكذا من قال بسنيتها ووجوبها، وهذه الشروط تتمثّل في الآتي:[٢]

  1. الإسلام: وهو شرطٌ لأداء كافّة العبادات؛ لأنّ غير المسلم ليس مخاطبًا بتكليف العبادات، فلا تجب عليه ولا تصح منه.
  2. العقل: وهو شرط وجوبٍ وصحَّةٍ؛ فالعمرة لا تجب على المجنون؛ لكونه غير أهل لأداء العبادات، ولا تصحّ منه، ولكن يجوز أن يُحرِم عنه وليّه ويُجنّبه محظورات الإحرام؛ لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "رُفِع القلمُ عن ثلاثٍ: عن الصبيِّ حتى يبلُغَ، وعن النائمِ حتى يستيقِظَ، وعن المجنونِ حتى يُفِيقَ".[٣]
  3. البلوغ: فالعمرة لا تجب على الصغير؛ لعدم بلوغه كما ورد في حديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- سابق الذكر، ولكن إن اعتمر فتصحّ منه ولا يسقط الفرض عنه عند البلوغ عند القائلين بفرضيّتها.
  4. الاستطاعة: وهي شرط وجوبٍ لمن يملك مالًا فائضًا عن حاجته وعن نفقة من يعول، وتوفّر له وسيلة نقلٍ ومأكله ومشربه، وإلّا فلا تجب عليه حتى يستطيع .


وَتَخْتَصُّ النِّسَاءُ بِشَرْطَيْنِ إضافيين عن الرجال، هُمَا:

  • وجود المحرم: فلا تصحّ عمرتها إلّا بوجود محرمٍ لها من زوجٍ أو غيره، وإلّا فلا تجب عليها، لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَومٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا"،[٤] وأجاز الشافعية رفقة نساءٍ ثقاتٍ عوضًا عن المحرم.
  • انتهاء فترة العدّة للمعتدّة سواءً من طلاقٍ أو موتٍ.


مناسك العمرة

تقوم العمرة على أداء أربعة مناسك، وفيما يلي بيانها.


الإِْحْرَامُ

وهو الركن الأول من أركان العمرة، وهو نيّة العمرة عند الجمهور؛ فإذا أراد أن يُحرم بعمرةٍ؛ فالسنّة أن يغتسل كما يغتسل للجنابة، ثمّ يتطيّب ويلبس ملابس الإحرام، ثمّ يستقبل القبلة ويحرم ولا يحلّ له تجاوز الميقات دون أن يحرم، وميقات الإحرام للعمرة نوعان؛ ميقاتٌ مكاني وميقاتٌ زمانيّ؛ أمّا الزمانيّ؛ فهو العام كلّه لغير المشتغل بالحجّ، وأفضل الأوقات هو شهر رمضان، وأمّا الميقات المكاني، فهي خمسة مواقيت، هي: ذو الحليفة (ميقات أهل المدينة)، والجحفة (ميقات أهل الشام)، وقرن المنازل (ميقات أهل نجد)، ويلملم (ميقات أهل اليمن)، وذات عرق (ميقات أهل العراق)، وهذه المواقيت وقّتها النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لمن أراد الحجّ والعمرة، ومن مرّ عليهم من غيرهم، ولا يحلّ للمُحرم أن يتجاوزها دون إحرامٍ، ثمّ يقول لبيك اللهم عمرةً، وقرن التلبية بالإحرام سنَّةٌ عند الجمهور، وصيغة التلبية هي: "لبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ"،[٥][٦] وللإحرام محظوراتٌ يحرم ارتكابها؛ فيحرم على الرجل بعد إحرامه لبس كلّ ما هو مخيطٌ ومحيطٌ بالجسم، وتغطية رأسه بشيءٍ متّصلٍ، ولبس حذاء يبلغ الكعبين، ويحرم على المرأة تغطية وجهها ولبس القفازين، كما يحرم عليهما وضع الطِّيب، والجِماع ودواعيه المهيئة له، وتقليم الأظافر والصيد، ونزع الشعر من الجسم، واستعمال الدهن للشعر.[٧]


الطواف

وهو الركن الثاني، ويشترط للطواف عند الجمهور سبق الإحرام، والنيّة للطواف، وأن يشمل الحجر والتيامن، وستر العورة والطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، ومعنى الطواف؛ أن يطوف المعتمر حول الكعبة سبعة أشواطٍ، وتسنّ الموالاة؛ أي المتابعة بين الأشواط، وإذا دخل المحرم المسجد الحرام يسنّ له تقديم رجله اليمنى، ثمّ يتقدّم إلى الحجر الأسود للطواف، فيستلم الحجر الأسود بيده اليمنى ويقبّله؛ فإن لم يتسنَّ له فإنه يشير إليه بيده ويكبّر، ثمّ يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره فإذا بلغ الركن اليماني استلمه من غير تقبيل ولا تكبير، فإن لم يتسنَّ له تركه ولا يزاحم عليه الناس، ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود كما ورد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه كان يقول: "رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ".[٨][٧]


ويسن للمعتمر أثناء الطواف أن يذكر الله بدعاءٍ أو قراءة قرآنٍ أو استغفارٍ ونحوه، وينبغي على الرجل أثناء الطواف أن يكشف كتفه الأيمن بأن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فإذا فرغ من الطواف له أن يعيد رداءه إلى حالته قبل الطواف، وعليه أيضًا أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، وليس للمرأة ذلك، فإذا انتهى المحرم من الطواف، وأتمّ الأشواط السبعة، جاء إلى مقام إبراهيم، فيقول: (وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)،[٩] ثمّ يصلّي خلف مقام إبراهيم ركعتين، ويذهب بعدها ليستلم الحجر؛ فإن لم يتسنّ له تركه ولا يشير إليه.[١٠][٧]


السعي

وهو الركن الثالث من أركان العمرة، ويشترط له سبق الإحرام والطواف بالكعبة، والسعي سبعة أشواطٍ؛ فإذا جاء المحرم إلى المسعى ودنا من الصفا؛ يقرأ قول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ)،[١١] ثمّ يقول بعد ذلك: "نبدأُ بما بدأَ اللهُ بهِ"،[١٢] كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم يذهب إلى الصفا حتّى يرى الكعبة، فيستقبلها ويدعو بما شاء، ثمّ ينزل إلى المروة؛ فإذا بلغ العلم الأخضر ركض ركضًا شديدًا دون أن يؤذي أحدًا، فإذا بلغ العلم الأخضر الثاني مشى كعادته حتّى يصل إلى المروة؛ فيستقبل الكعبة ويقول مثلما قال في الصفا، ويكرر ذلك حتى ينتهي من الأشواط السبعة، ويستحبّ له أثناء سعيه أن يدعو الله تعالى ويذكره بأي ذكرٍ أحبّ، وينبغي التنبيه إلى أنّ المعتمر إذا عكس في سعيه؛ لغا الشوط ويعيد أداءه من عند الصفا مرّةً أخرى.[١٣][١٤]


الحلق والتقصير

بعد أن ينتهي المعتمر من السعي بين الصفا والمروة؛ فإنّه يتحلّل بحلق رأسه إن كان رجلًا أو بتقصيره، والحلق أفضل من التقصير، وينبغي أن يكون الحلق أو التقصير من جميع الرأس، أمّا المرأة فتقصّر من جميع شعرها قدر أنملة، وبعد قيام المعتمر بكل هذه الأمور يكون قد أتمّ عمرته، ويتحلّل من إحرامه.[١٥]

المراجع

  1. "شروط العمرة ومناسكها"، اسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 19/11/2021. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 318-323. بتصرّف.
  3. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3432، صحيح.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1339، صحيح.
  5. "الاحرام"، الموسوعة الكويتية، اطّلع عليه بتاريخ 19/11/2021. بتصرّف.
  6. "الاحرام"، الالوكة، اطّلع عليه بتاريخ 18/11/2021. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 318-323.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، الصفحة أو الرقم: 2690.
  9. سورة سورة البقرة، آية:125
  10. "الطواف"، اسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 19/11/2021. بتصرّف.
  11. سورة سورة البقرة، آية:158
  12. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، الصفحة أو الرقم:9236، صحيح.
  13. "السعي"، اسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 19/11/2021. بتصرّف.
  14. "السعي"، الموسوعة الكويتية، اطّلع عليه بتاريخ 19/11/2021. بتصرّف.
  15. "الحلق والتقصير"، اسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 19/11/2021. بتصرّف.