ما هو حكم العمرة؟

تُعرف العمرة لغةً بأنّها القصد والزيارة، أمّا شرعاً فقد عرّفها العلماء بأنّها قصد الكعبة المشرفة وبيت الله الحرام؛ لأداء المناسك والشعائر، من الطواف والسعي بين الصفا والمروة، بالإحرام على هيئة مخصوصة؛ وقد خصّ العلماء الاعتمار ببيت الله الحرام تحديداً؛ لأنّ الزائر يقصد إلى موضوع عامر؛ وهو أداء العبادة.[١]


ولقد تعددت أقوال الفقهاء في حكم العمرة، أهي سنة مؤكدة أم فريضة؛ وذلك لاستدلالهم بعدد من النصوص الشرعية المُعتبرة؛ وفيما يأتي بيان آراء الفقهاء وأدلتهم في حكم العمرة:


سنة مؤكدة

ذهب فقهاء الحنفيّة،[٢] والمالكيّة؛[٣] إلى القول بأنّ أداء العمرة سنة مؤكدة مرة واحدة في العمر؛ وزاد الحنفيّة فقالوا إنّها قد تصبح واجبة في حقّ من دخل مكة المكرمة وهو لا ينوي الحج؛ فلا يصحّ عندهم لمن أراد ذلك تجاوز الميقات من غير إحرام، وذلك لأداء العمرة، كما يكون إتمامها واجباً لمن بدأ فيها تطوعاً،[٢] واشترط المالكيّة أداء العمرة على الفور؛ أيّ متى استطاع المسلم أداءها؛ فإنّها تُؤدى دون تأجيل أو تسويف.[٣]


وقد استدلوا على ذلك بالحديث الضعيف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (الحجُّ جِهادٌ والعمرةُ تطوُّعٌ)،[٤] وبحديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- لمّا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا رسولَ اللهِ! العمرةُ واجبةٌ وفريضتُها كفريضةِ الحجِّ؟ قال: لا، وأنْ تَعتمِرَ خيراً لك).[٥][٦]


ولقد تكلّم أهل العلم في صحّة هذين الحديثين، وفي رجال أسانيدهما؛ وردّوا على الاستدلال بهما، وعلى القول بتصحيحهما من بعض المحدّثين؛ بأنّه لا يصحّ بأي وجه من الوجوه.[٦]


واجبة

ذهب فقهاء الشافعيّة،[٧] والحنابلة؛[٨] إلى القول بأنّ العمرة واجبة، وهي فرض عين على كل مستطيع، ممن فُرض عليه الحجّ مرة واحدة في العمر،[٧] ويكون أداء العمرة للقادر على الفور عند الحنابلة،[٨] أمّا الشافعيّة فقالوا بجواز التراخي ما لم يخشَ الفوات أو المرض؛ وقد استدلّوا على ذلك بما ثبت في القرآن الكريم والسنة النبويّة، نوردها على النحو الآتي:[٧]

  • قوله -تعالى-: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ...).[٩]
  • ما صحّ عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا رسولَ اللهِ، على النِّساءِ جهادٌ؟ قال: نعم، عليهنَّ جِهادٌ لا قتالَ فيه: الحجُّ، والعمرةُ).[١٠]


كما استدلوا على وجوبها مرة واحدة في العمرة بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال في حجة الوداع: (... لو أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِن أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فمَن كانَ مِنكُم ليسَ معهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بنُ مَالِكِ بنِ جُعْشُمٍ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أَلِعَامِنَا هذا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً في الأُخْرَى، وَقالَ: دَخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجِّ –مَرَّتَيْنِ- لا، بَلْ لأَبَدِ أَبَدٍ...).[١١][٨]


الراجح في حكم العمرة

بناءً على ما تقدّم من الأدلة وصحّتها، وأقوال أهل العلم في حُجيّتها رجحّ جمعٌ من أهل العلم القول بوجوب العمرة، وأضافوا على أدلة الوجوب عدداً من الأحاديث النبويّة؛ من ذلك ما صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعريف الإسلام بأنّه: (... أن تشهدَ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ، وأن تُقيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتيَ الزَّكاةَ، وتحجَّ البَيتَ وتعتمرَ، وتغتسلَ منَ الجَنابةِ، وأن تُتمَّ الوضوءَ، وتَصومَ رمضانَ...).[١٢][١٣]


إضافة إلى حديث الرجل الذي جاء يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا رسولَ اللَّهِ إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ، لا يَستطيعُ الحجَّ والعمرةَ ولا الظَّعنَ، قالَ: حُجَّ عَن أبيكَ واعتمِر)،[١٤] وقالوا إنّ شروط الوجوب أن يكون المسلم بالغاً، عاقلاً، حراً، مستطيعاً، فإن اختلّ أحد هذه الشروط لم تجب العمرة بلا خلاف، كما أنّ أداء العمرة يكون مرة واحدة في العمر كما في أداء الحجّ، ومن تطوع فهو زيادة في الأجر والخير.[١٣]

المراجع

  1. أحمد حطيبة، آداب العمرة وأحكامها، صفحة 2، جزء 1. بتصرّف.
  2. ^ أ ب نجاح الحلبي، فقه العبادات على المذهب الحنفي، صفحة 200. بتصرّف.
  3. ^ أ ب كوكب عبيد، فقه العبادات على المذهب المالكي، صفحة 334. بتصرّف.
  4. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن طلحة بن عبيد الله، الصفحة أو الرقم:2989، ضعفه الألباني.
  5. رواه البيهقي، في السنن الكبرى، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:349، ضعفه الصنعاني وقال البيهقي إشارة إلى ضعفه تفرد به عبيد الله بن المغيرة عن أبي الزبير.
  6. ^ أ ب محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، صفحة 713-714، جزء 5. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت درية العيطة، فقه العبادات على المذهب الشافعي، صفحة 167، جزء 2. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت سعاد زرزور، فقه العبادات على المذهب الحنبلي، صفحة 489. بتصرّف.
  9. سورة البقرة، آية:196
  10. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2901، صححه ابن الملقن .
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.
  12. رواه ابن خزيمة، في صحيح ابن خزيمة، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:117، أخرجه في صحيحه.
  13. ^ أ ب أحمد حطيبة، آداب العمرة وأحكامها، صفحة 4، جزء 1. بتصرّف.
  14. رواه ابن خزيمة، في صحيح ابن خزيمة، عن أبي رزين العقيلي لقيط بن عامر ، الصفحة أو الرقم:580، أخرجه في صحيحه.