سنن طواف الوداع

ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- العديد من المستحبات والسنن في مناسك وشعائر الحجّ؛ التي يُستحب للمُحرم القيام بها؛ اتباعاً لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولقد تكلّم العلماء في سنن الطواف على وجه العموم، كما تكلّموا في سنن طواف الوداع على وجه الخصوص، فقالوا يُسنّ فيه الأعمال الآتية:

  • أن يبيت الحاجّ بالمحصب قبل طواف الوداع إن تيّسر له ذلك؛ ثم يطوف ويسافر؛ وذلك لما ثبت في الصحيح عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صَلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ، والمَغْرِبَ والعِشَاءَ، ورَقَدَ رَقْدَةً بالمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إلى البَيْتِ، فَطَافَ بهِ).[١][٢]
  • أن يفرد طواف الوداع عن طواف الإفاضة؛ بحيث يطوف طواف الإفاضة يوم النحر، ويطوف للوداع عند النفر.[٣]
  • أن يصلي الحاجّ بعده ركعتين؛ يقرأ فيهما بعد الفاتحة سورتي الإخلاص والكافرون.[٣]
  • أن يقف بالملتزم، ويدعو بما تيّسر له من الدعاء؛ وأن يسأل الله -تعالى- العودة إلى بيته الحرام، والعودة من سفره سالماً، وأن يخرج تاركاً البيت خلفه كالهيئة المعتادة.[٤]
  • ذكر بعض الفقهاء استحباب تقبيل باب الكعبة المشرفة، وأن يلصق الحاجّ وجهه وبطنه بالبيت ويدعو: "اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُكَ الَّذِي جَعَلْتَهُ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالِمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، اللَّهُمَّ كما هَدَيْتَنَا لِذَلِكَ، فَتَقَبَّلْهُ مِنَّا، وَلَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ بَيْتِكَ الْحَرَامِ، وَارْزُقْنِي الْعَوْدَ إِلَيْهِ حَتَّى تَرْضَى عَنِّي بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ".[٥]
  • استحبّ بعض الفقهاء أيضاً شرب ماء زمزم بعد الطواف؛ والدعاء بقول: "اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُكَ، وَأنَا عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، حملتني عَلَى مَا سَخَّرْتَ لي مِنْ خَلْقِكَ، وسيرتني في بِلَادِكَ، حَتَّى بلغتني بِنِعْمَتِكَ إِلَى بَيْتِكَ، وأعنتني عَلَى أدَاءِ نسكي، فَإِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عني، فَازْدَدْ عني رِضًا، وَإلَّا فَمُنَّ الْآنَ قَبْلَ أَنْ تَنْأَى".[٦]
  • أن يخرج من أسفل مكة المكرمة، من كُدى إن تيّسر له ذلك؛ أيّ الخروج من الطريق الأسمح والأسهل.[٧]


طواف الوداع

هو الطواف الذي يكون بعد فراغ الحاجّ من جميع أعمال الحجّ، ومن أموره الخاصة؛ فيطوف بالبيت سبع أشواط ليكون هذا آخر عهده به،[٨] وقد سمّي طواف الوداع بهذا الاسم لتوديع الناس بيت الله الحرام، كما يُسمّى طواف الصدر؛ لأنّه يكون عند صدور -خروج- الناس من مكة المكرمة، إضافةً إلى تسميته بطواف آخر العهد لما بيّنا وأشرنا.[٩]


حكم طواف الوداع

اتفق الفقهاء على أنّ طواف الوداع لا يجب بحقّ أهل مكة المكرمة، ولكنّ تعددت أقوالهم في الآفاقيّ الذي جاء من خارج مكة المكرمة؛ فذهب الجمهور من الحنفيّة والحنابلة، والأظهر عند الشافعيّة إلى وجوب طواف الوداع؛ استدلالاً بالحديث الثابت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-: (أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبَيْتِ، إلَّا أنَّهُ خُفِّفَ عَنِ المَرْأَةِ الحَائِضِ).[١٠][١١]


وبقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للناس لمّا أرادوا الخروج من مكة المكرمة: (... لا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حتَّى يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِ بالبَيْتِ)؛[١٢] فإذا خرج الحاجّ من مكة المكرمة، وترك طواف الوداع لزمه دم على رأي الجمهور، بينما ذهب المالكيّة، والشافعيّة -في أحد أقوالهم- إلى أنّ طواف الوداع سنّة لا يلزم بتركها دم؛ استدلالاً بجواز ترك الحائض والنفساء لهذا الطواف، فلو كان واجباً لم يجز تركه؛ فحملوا الأحاديث السابقة على الاستحباب لا على الوجوب.[١١]


ويجدر التنبيه إلى أنّ الحائض أو النفساء لو طهرت قبل خروجها من مكة المكرمة وجب عليها أن تطوف طواف الوداع على رأي الجمهور؛ كما رأوا بأنّ على الحاجّ أن يباشر بالسفر الخروج بعد أدائه، ولا بأس لو تأخر لتأمين الزاد، أو إنهاء بعض الأمور؛ بينما ذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز للحاجّ بعد إتمامه لطواف الوداع الإقامة بمكة، ولا يلزمه الطواف مجدداً عند السفر؛ لأنّ الغرض منه أن يكون آخر العهد بالبيت الحرام نُسُكاً لا إقامةً.[١١]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1764، صحيح.
  2. أحمد حطيبة، كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة، صفحة 17، جزء 25. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سعيد بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 331. بتصرّف.
  4. عبد الله بن محمد البصيري، الحج والعمرة والزيارة، صفحة 216. بتصرّف.
  5. ابن مودود الموصلي، الاختيار لتعليل المختار، صفحة 156، جزء 1. بتصرّف.
  6. ابن أبي عمر، الشرح الكبير على المقنع، صفحة 267-268، جزء 9. بتصرّف.
  7. عبد القادر شيبة الحمد، فقه الإسلام شرح بلوغ المرام، صفحة 208، جزء 4. بتصرّف.
  8. ابن عثيمين، مناسك الحج والعمرة والمشروع في الزيارة، صفحة 78. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 316، جزء 2. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1328 ، صحيح.
  11. ^ أ ب ت عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 87-88، جزء 4. بتصرّف.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1327، صحيح.