سنن الطواف
بحث الفقهاء في سنن الطواف؛ فذهبوا إلى القول بعدد من السنن والمستحبات الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ نذكرها بحسب ما جاء في المذاهب الأربعة على النحو الآتي:
سنن الطواف عند الحنفيّة
ذهب فقهاء الحنفيّة إلى أنّ المستحبات الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الطواف تتلخص بالآتي:[١]
- استقبال الكعبة المشرفة أول الطواف؛ فيقف الطائف مستقبلاً الحجر الأسود، بأن يجعل منكبه الأيمن عند طرف الحجر من جهة الركن اليمانيّ، ثم ينوي الطواف، ويمرّ مستقبلاً ببدنه الحجر الأسود إلى أن يصير طرف الحجر -الذي من جهة باب الكعبة- محاذياً لمنكبه الأيسر، ثم ينتقل -جاعلاً البيت عن يساره- متوجهاً إلى جهة الباب.
- استلام الحجر الأسود بيمينه أول الطواف، وتقبيله، فإن عجز استلمه بيده أو أشار إليه، وأن يكرر ذلك ثلاثاً، وأن يستلم في بداية كل شوط، وفي نهاية الطواف، وقبل ركعتي الطواف؛ لما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (كانَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- لا يدَعُ أن يستلمَ الرُّكنَ اليمانيَ والحجَرَ في كلِّ طَوفَةٍ)،[٢] وفي تقبيل الحجر الأسود ثبت عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنّه قبّل الحجر ثم قال: (أَمَ وَاللَّهِ، لقَدْ عَلِمْتُ أنَّكَ حَجَرٌ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يُقَبِّلُكَ ما قَبَّلْتُكَ).[٣]
- أن يدعو بعدد من الأدعية المسنونة، نذكر منها:
- أن يقول قبالة الكعبة المشرفة: "اللهم إن البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار -مشيراً إلى مقام إبراهيم عليه السلام-".
- أن يقول عند الركن اليماني: "اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وعملاً مقبولاً وتجارة لن تبور، يا عزيز، يا غفور".
- أن يقول بين الركنين: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)،[٤] وأن يقول: "رب قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه، واخلف عليّ كل غائبة لي بخير".
- أن يقول أثناء الطواف: "اللهم إني أعوذ بك من الشِّرك، والشك والنفاق، والشِّقاق وسوء الأخلا،ق وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد"؛ وذلك لما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه أوصى الصحابة بأن يحفظوا هذه الأدعيّة، وأن يدعوا بها في طوافهم.
- الرَّمَل في الطواف للرجال والصبيان.
- الاضطباع في الطواف للرجال والصبيان؛ بأن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر.
- الموالاة بين أشواط الطواف -أيّ التتابع وعدم قطعها بغير حاجة أو ضرورة-.
- الموالاة بين الطواف وركعتيه.
- عدم التكلّم من غير حاجة أو منفعة في أثناء الطواف.
- كراهة الأكل والشرب، وتشبيك الأصابع، ووضع اليد على الفم، والتأدب بآداب الطواف العامة.
سنن الطواف عند المالكيّة
وافق فقهاء المالكيّة المذهب الحنفيّ في بعض سنن الطواف التي أشرنا لها سابقاً؛ من استقبال البيت، واستلام الحجر، والرَّمَل والاضطباع ونحوها من السنن، وزادوا عليها المستحبات الآتية:[٥]
- استلام الركن الأمامي من الكعبة المشرفة في الشوط الأول، بأن يضع يده اليمنى عليه، ثم يضعها على فمه من غير تقبيل.
- الإكثار من الدعاء المأثور وغير المأثور، مما فيه طلب للعافية، والعلم، وسعة الرزق، وما يحبّ من خيري الدنيا والآخرة.
سنن الطواف عند الشافعيّة
زاد فقهاء الشافعيّة -على ما ذكرنا سابقاً- عدداً من السنن المستحبّة في الطواف، مع اختلاف يسير في اعتبار بعض الأعمال من المسنونات عندهم؛ فقالوا باستحباب:[٦]
- النيّة في طواف النُسُك؛ بأن يقول الطائف: "اللهم إني أريد طواف بيتك الحرام؛ فيسره لي وتقبله مني، نويت سبعة أشواط طواف الحج أو طواف العمرة".
- الطواف ماشيّاً إلا لعذر أو مرض أو نحوهما من الأعذار المُعتبرة.
- الاقتراب من البيت للرجال عند الطواف؛ لأنّ ذلك أيسر في استلام الركن اليماني والحجر الأسود.
- أن يدعو تحت الميزاب: "اللهم أظلني في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك، واسقني بكأس سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- شربة هنيئة مريئة لا أظمأ بعدها أبداً يا ذا الجلال والإكرام".
- أن يدعو بعد أداء ركعتي الطواف: "اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي، فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي، اللهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبي، ويقيناً صادقاً حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتب لي، ورضني بما قسمت لي".
سنن الطواف عند الحنابلة
لم يتفرّد فقهاء الحنابلة بالقول بسنيّة بعض الأعمال في الطواف دون المذاهب الأخرى، فقد وافقوا الفقهاء في العديد من السنن والمستحبات، كما زادوا -على ما أشرنا إليه- ما يأتي:[٧]
- استحباب الدعاء عند رؤية الكعبة، مع رفع الأيدي.
- الإسرار أثناء الدعاء.
- أن يقول عند استلام الحجر الأسود: "بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، واتباعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم".
الطواف
شرع الله -سبحانه وتعالى- الطواف حول الكعبة على صفة مخصوصة، وضمن شروط محددة؛ وبيّن -سبحانه- أنّ الطواف من العبادات التي يُتعبّد بها منذ القدم؛ فقد قال -سبحانه- في كتابه العزيز: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).[٨][٩]
وفي هذه الآية أمر واضح من المولى -جلّ وعلا- لنبيّه الكريم إبراهيم، وابنه إسماعيل -عليهما السلام-؛ بتطهير بيته الحرام للقاصدين، والطائفين، والعابدين فيه؛ مما دلّ على مشروعيّة الطواف، كما ثبت في السنّة النبويّة العديد من الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن طواف النبي -صلى الله عليه وسلم- حول الكعبة؛ منها ما ثبت في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: (... حتَّى إذَا أَتَيْنَا البَيْتَ معهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا...).[١٠][٩]
المراجع
- ↑ نجاح الحلبي، فقه العبادات على المذهب الحنفي، صفحة 187. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1876، حسنه الألباني.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1270، صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية:201
- ↑ كوكب عبيد، فقه العبادات على المذهب المالكي، صفحة 359-360. بتصرّف.
- ↑ درية العيطة، فقه العبادات على المذهب الشافعي، صفحة 241-242، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سعاد زرزور، فقه العبادات على المذهب الحنبلي، صفحة 439. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:125
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 172، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.