فضائل الحج والعمرة
شرع الله -سبحانه- زيارة بيته الحرام، وأداء مناسك الحج والعمرة فيه؛ قال -تعالى-: (إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ* فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)،[١] ورتب -سبحانه- على كل ذلك الأجر العظيم؛ من الغفران، وزيادة الحسنات في الموازين، ومحو الخطايا والذنوب، وقد وضحّت السنة النبوية فضائل كل من الحج والعمرة؛ والتي يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
محو الذنوب
وذلك لمن أتمّ حجه وعمرته خالصاً لله -تعالى-، فلم يرفث ولم يفسق عاد من نُسُكه كالمولود الذي يخرج من بطن أمه؛ نقياً من الذنوب والخطايا؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ)،[٢] وفي رواية: (مَن أَتَى هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كما وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)،[٣] والرفث هو الجماع؛ فهو من محظورات الإحرام، أمّا الفسق فهو من الفسوق، أيّ الخروج عن الاستقامة بأداء المعاصي، وقيل بالسباب والشتائم.[٤]
كما دلت أحاديث أخرى على أنّ متابعة أداء العمرة إلى العمرة تمحو ما وقع بينهما من الذنوب والخطايا؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا)،[٥] وفي هذا حثّ على مداومة زيارة بيت الله الحرام لأداء العمرة، والمتابعة بينها.[٤]
أفضل الأعمال بعد الجهاد
حيث عدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- الحجّ المبرور من أفضل الأعمال بعد الجهاد في سبيل الله؛ فعندما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أيّ الأعمال أفضل قال: (إيمَانٌ باللَّهِ ورَسولِهِ، قيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قالَ: جِهَادٌ في سَبيلِ اللَّهِ، قيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ).[٦][٧]
أفضل جهاد النساء
إذ إنّ حج بيت الله الحرام على أكمل صورة، وأحسن أداء هو في مقام الجهاد للمرأة المسلمة، بل وأفضل الجهاد؛ فقد ثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (يَا رَسولَ اللَّهِ تُرَى الجِهَادَ أفْضَلَ العَمَلِ، أفلا نُجَاهِدُ؟)، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَكِنَّ أفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ).[٨][٩]
الوقاية من الفقر والذنوب
إذ إن المتابعة في أداء الحج والعمرة -بمعنى جعل أحدهما تبعاً للآخر: فإذا حجّ المسلم اعتمر، وإذا اعتمر حجّ، ونحو ذلك- تقي من الفقر والذنوب؛ بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعُمرةِ؛ فإنَّهما ينفيانِ الفقرَ والذُّنوبَ كما ينفي الكيرُ خبَثَ الحديدِ، والذَّهبِ والفِضَّةِ).[١٠][١١]
استجابة الدعاء
وذلك لأنّ المولى -سبحانه- عدّ الحاج والمعتمر من الوفود عليه؛ أيّ السائرين إليه والقادمين لأداء الطاعة والعبادة، ولأنّهم لبّوا النداء أكرمهم بالإجابة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (الغازي في سبيلِ اللَّهِ، والحاجُّ والمعتمِرُ، وفْدُ اللَّهِ، دعاهُم، فأجابوهُ، وسألوهُ، فأعطاهُم).[١٢][١٣]
تلبية الشجر والحجر
إن تلبية المُحرم للحج والعمرة تجعل الموجودات حوله تتجاوب مع هذه التلبية؛ فتلبي وتذكر المولى -سبحانه- معه؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما من مسلمٍ يلبِّي إلَّا لبَّى من عن يمينِه أو عن شمالِه من حجرٍ أو شجرٍ أو مدرٍ؛ حتَّى تَنقطعَ الأرضُ من هاهنا وَهاهنا).[١٤][١٥]
العتق والمباهاة
بأن يباهي ملائكته بالحجاج الذين جاؤوا لأداء العبادة والنُسُك؛ منقطعين عن كل متاع الدنيا إليه -سبحانه-، فيعتق رقابهم من النار؛ ودليل ذلك ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟).[١٦][١٧]
دخول الجنة
وهذا جزاء الحج المبرور؛ الذي لا رياء فيه ولا سمعة، ولا يخالطه إثم ولا يتبعه معصية، وهو الحج الذي استوفى أحكامه، ووقع على الوجه الذي يرضيه -سبحانه-، وخير دليل على ذلك أن يعود المسلم منه أفضل مما كان؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (الحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ).[٥][١٨]
فضائل بعض أعمال الحج والعمرة
ثبت في النصوص الشرعية بعض الفضائل التي ينالها المسلم بأدائه بعض أعمال الحجّ والعمرة؛ ومن هذه الأعمال:[١٩]
- حطّ الذنوب والخطايا؛ وذلك بمسح الحجر الأسود والركن اليماني.
- عتق رقبة؛ وذلك ثواب الطواف بالبيت.
- رفع الدرجات، ونيل الحسنات، مع محو السيئات؛ وذلك بالسعي والسير في أداء النُسك.
ودليل ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (سمعتُ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- يقولُ إنَّ استلامَهما يَحُطُّ الخطايا، قال: وسَمِعتُه يقولُ: مَن طافَ أُسبوعًا يُحصيهِ، وصلَّى رَكعَتَينِ كان له كعَدْلِ رَقَبةٍ، قال: وسَمِعتُه يقولُ: ما رَفَعَ رَجُلٌ قَدمًا، ولا وَضَعَها إلَّا كُتِبَتْ له عَشْرُ حَسَناتٍ، وحُطَّ عنه عَشْرُ سيِّئاتٍ، ورُفِعَ له عَشْرُ دَرَجاتٍ).[٢٠]
مواضيع أخرى:
المراجع
- ↑ سورة آل عمران، آية:96-97
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1521، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1350، صحيح.
- ^ أ ب سعيد بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 12-13. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1773، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1519، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 74، جزء 71.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2784 ، صحيح.
- ↑ محمد بن إبراهيم التويجري، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، صفحة 236. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن شفيق بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:3693، صحيح بشواهده.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 399، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه ، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2357، حسنه الألباني.
- ↑ سعيد بن وهف القحطاني ، الذكر والدعاء والعلاج بالرقى من الكتاب والسنة، صفحة 1079، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم:828 ، صحيح.
- ↑ عبد الله الطيار، وبل الغمامة في شرح عمدة الفقه لابن قدامة، صفحة 60، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1348، صحيح.
- ↑ محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 625، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 62، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ سعيد بن وهف القحطاني، الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 17. بتصرّف.
- ↑ رواه الإمام أحمد، في المسند، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:4462، حسن لغيره.