فضل استلام الركن اليماني

شرّف الله -سبحانه- الركن اليمانيّ بأن جعله أحد أركان الكعبة المشرّفة؛ التي رفع قواعدها إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام-، وقد جعلها -سبحانه- قبلةً للناس، ومكاناً تُشدّ الرحال إليه، وفي زيارتها والطواف بها تلبية لنداء الحقّ -جلّ وعلا-؛ وقد رتب الله -سبحانه- على استلام الركن اليماني عظيم الأجر والثواب؛ الذي بيّنه لنا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتبعه بالتأكيد على ذلك صحابته الكرام، والتي نلخصها على النحو الآتي:


حطّ الخطايا والذنوب

قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ مسحَ الحجرِ الأسودِ، والركنَ اليمانيِّ، يَحُطَّانِ الخطايا حطًّا)؛[١] أيّ إنّ استلام ومسح الركن اليمانيّ للقادر عليه، يزيل الذنوب والخطايا.[٢]


وقد اتفق الفقهاء على أنّ ذلك سنّة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمسح يكون بالكفين أو بالكفّ اليمين فقط، فإنّ تعذر الاستلام جاز الإشارة إليه باليد، كما أجاز بعض الفقهاء استلام الركن اليمانيّ بالعود أو السواك ونحوهما؛ ولكن لا يُقبل عليهما المسلم إلا إذا عجز عن الاستلام باليد، أو خشي الزحام والإضرار بالناس.[٣]


شهادة الركن لمن استلمه

بيّن الله -سبحانه- أنّ العديد من الموجودات التي لا تنطق أو تتحرك في الحياة الدنيا، يكون لها القدرة على ذلك يوم القيامة؛ فتشهد للمؤمن التّقي بالخير، وتشهد على العاصي المذنب بالشرّ الذي ألحقه بنفسه؛ قال -تعالى- عن الأرض يوم القيامة: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا).[٤][٥]


وهذا في حقّ الركن اليمانيّ أوجب وأوكد؛ بأن يشهد على من استلمه بحقّ يوم القيامة؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (يأتي الرُّكنُ اليماني يومَ القيامةِ أعظمَ من أبي قُبَيسٍ؛ له لسانان وشَفتان).[٦][٧]


استجابة الدعاء

رُوِي في الحديث أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (وُكِلَ بِه -أي الرُّكنُ اليمانِيُّ- سبعونَ ملَكًا من قالَ: "اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ العفوَ والعافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرةِ، حَسنةً وقِنا عذابَ النَّارِ"؛ قالوا آمينَ)،[٨] كما ثبت عن بعض الصالحين أنّهم كانوا يلتزمون الدعاء ما بين الركن والمقام.[٩]


وكانوا يسكبون عند هذا المُلتزم العبرات، ويخلصون في الدعاء والإقبال،[٩]حتى رُوى عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: "والذي نفسُ ابن عباس بيده ما من امرئٍ مسلمٍ يسأل الله عنده -عند الركن اليمانيّ- شيئًا إلا أعطاه إيّاه".[١٠]


اتباع هدي النبي

أشرنا سابقاً إلى سنيّة استلام الركن اليمانيّ في كل شوط من أشواط الطواف؛ وممّا يدل على ذلك ما ورد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-؛ أنّه قال: (كانَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- لا يدَعُ أن يستلمَ الرُّكنَ اليمانيَ والحجَرَ في كلِّ طَوفَةٍ)،[١١] وقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- لا يدعون استلام الركن اتباعاً لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- أشدّ حرصاً على ذلك.[١٢]


وينبغي التنبيه إلى أنّ الركنين الآخرين للكعبة المشرفة لا يُسنّ استلامهما، ولا يُكبر المسلم عندهما؛ إذ لم يثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما أنّهما ليسا من أركان البيت، بل هما بعض الجدران التي يستند البناء عليهما، وقد ذهب أهل العلم إلى جواز استلام الركن اليمانيّ بغير طواف، مع استحباب الطهارة لذلك.[١٣]


الركن اليماني من يواقيت الجنة

صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ قال: (إنَّ الركنَ والمقامَ ياقوتتان من الجنَّةِ، طمس اللهُ تعالى نورَهما، ولو لم يَطمِسْ نورَهما لأضاءَتا ما بين المشرقِ والمغرب)،[١٤]وقد ذهب بعض أهل العلم إلى القول بأنّ هذا الحديث من باب التشبيه؛ فيكون المقصود أنّ الركن والمقام كأنهما من بهائهما وفضلهما ياقوتتان من الجنّة، وأنّ وجه الاختلاف بينهما أنّ الله -سبحانه طمس نورهما في الدنيا، ليكون الإيمان بهما إيماناً بالغيب.[١٥]

المراجع

  1. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:959، صحيح.
  2. سامي محمد، العمل الصالح، صفحة 221.
  3. محمد محيي الدين حمادة، الركن الخامس، صفحة 171-172. بتصرّف.
  4. سورة الزلزلة، آية:4
  5. أحمد حطيبة، شرح رياض الصالحين، صفحة 6، جزء 26. بتصرّف.
  6. رواه الإمام أحمد، في المسند، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:187، صححه المنذري.
  7. أبو عبد الله الفاكهي، أخبار مكة الفاكهي، صفحة 93، جزء 1.
  8. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2957، قال القاري إسناده ضعيف لكنه قوي حيث يعمل به في فضائل الأعمال.
  9. ^ أ ب صديق حسن خان، رحلة الصديق إلى البلد العتيق، صفحة 26.
  10. ابن تيمية، شرح عمدة الفقه، صفحة 164، جزء 5.
  11. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1876، حسنه الألباني.
  12. عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 35، جزء 220.
  13. ابن فرحون برهان الدين، إرشاد السالك إلى أفعال المناسك، صفحة 344، جزء 1. بتصرّف.
  14. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1633، صححه الألباني.
  15. عبد الحق الدهلوي، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح، صفحة 348، جزء 5. بتصرّف.