نيّة صيام عرفة تطوعاً

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المسلم إذا نوى صيام يوم عرفة تطوعاً فلا يُشترط تبييت النيّة فيه؛ إذ إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستيقظ في الصباح يسأل عن قوت اليوم؛ فإن لم يجد شيئاً يأكله نوى الصيام، فلم يكن ينوي الصيام ليلاً، وعرض له ذلك في النهار قبل أن يأكل أو يشرب؛ حيث ثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (دَخَلَ عَلَيَّ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- ذَاتَ يَومٍ فَقالَ: هلْ عِنْدَكُمْ شيءٌ؟ فَقُلْنَا: لَا، قالَ: فإنِّي إذَنْ صَائِمٌ).[١][٢]


وتجدر الإشارة إلى أنّ وقت نيّة صيام التطوع يجوز أن يكون بالنهار سواء قبل الزوال أو بعد الزوال، على أن لا يأتي المسلم أيّاً من المفطرات من بعد الفجر إلى وقت نيّة الصيام، كما يجوز له أن يصوم تطوعاً بمطلق النيّة دون تعيين لشيء محدد، كأن ينوي الصيام لتفريج هم أو تيسير أمرٍ، أو تكفير ذنب ما.[٢]


نيّة صيام عرفة قضاءً

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الصيام الواجب لا يتمّ إلا بنيّة مسبقة؛ فإذا نوى المسلم صيام يوم عرفة قضاءً لصيام واجب، وجب عليه تبييت النيّة ليلاً في هذا الصيام؛ أيّ أن يقصد صيام القضاء أو الواجب بعينه ويترك صيام التطوع،[٣] أمّا بالنسبة لتعيين هذه النيّة؛ فقد تعددت أقوال الفقهاء في هذا على النحو الآتي:[٤]

  • يجب تعيين نيّة الصيام الواجب؛ بحيث يجب تحديد جنس العبادة وسببها، وهو رأي المالكية والشافعية، والحنابلة في أحد الأقوال.
  • لا يُشترط تعيين النيّة في الصيام الواجب؛ وهو قول الحنفية، والحنابلة في رواية أخرى.


الجمع بين نيّة صيام التطوع والقضاء

هذه المسألة مما تعدّت به آراء العلماء؛ فمنهم من أجاز، ومنهم من منع؛ وذلك على النحو الآتي:[٥]

  • ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الجمع بين نيّة القضاء ونيّة التطوع في صيام ذي الحجة عموماً؛ وذلك لأنّ المقصود إشغال هذه الأيام بالصيام سواء أكان قضاءً أم تطوعاً، وإن كان الأفضل والأحوط عندهم الفصل بين النيّتين؛ لتحصيل الأجر والثواب على أكمل وجه، إضافة إلى قولهم أنّ من صام القضاء في عرفة تحصّل له أجر التطوع دون الحاجة إلى الجمع بين النيّتين، وهو قول وارد عن الصحابيّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- والله -تعالى- أعلم.
  • عارض القول السابق فريق من أهل العلم؛ لأنّ المقصود عندهم هو تحقيق عبادة الصيام بذاتها، فلا يجوز أن تتداخل النيّة بين القضاء والتطوع، ومن نوى القضاء فقد أضاع أجر التطوع؛ إذ بإمكانه أن يقضي بقيّة أيام السنة، وهو رأي الصحابي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.


حكم صيام عرفة

يُستحب للمسلم غير الحاجّ صيام يوم عرفة لما يترتب على ذلك من الأجر الكبير؛ حيث ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ)،[٦] أمّا بالنسبة للحاج، فقد كره بعض أهل العلم له ذلك لما فيه مشقة كبيرة عليه، إذ يحتاج المسلم الواقف على عرفات إلى التزود والتقوي بالطعام والشراب على الاجتهاد بالعبادات والطاعات؛ بالإضافة لما ثبت عن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها- أنّها قالت: (إنَّ النَّاسَ شَكُّوا في صِيَامِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَومَ عَرَفَةَ، فأرْسَلَتْ إلَيْهِ بحِلَابٍ -إناءٌ فيه لبن- وهو واقِفٌ في المَوْقِفِ، فَشَرِبَ منه والنَّاسُ يَنْظُرُونَ).[٧][٨]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم:1154، صحيح.
  2. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 428-430، جزء 1. بتصرّف.
  3. محمد بن محمد المختار الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي، صفحة 22، جزء 2. بتصرّف.
  4. موافقي الأمين، الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف، صفحة 160-161. بتصرّف.
  5. ابن رجب الحنبلي، لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، صفحة 265-266. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم:1162، صحيح.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، الصفحة أو الرقم:1989، صحيح.
  8. كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 137، جزء 2. بتصرّف.