المبيت في مِنى ليلة عرفة

في يوم التروية -أي اليوم الثامن من ذي الحجّة- يُحرم المتمتّع بالحجّ من مكانه، ويفعل كما يفعله في الميقات عند الإحرام؛ من الاغتسال، وإزالة الشعر، والنظافة، ونحوها من السنن، ثم يقول: "لبّيك اللهمّ حجاً، فإن حبسني حابسٌ فمحِلّي حيث حبستني"،[١] ثمّ يذهب إلى مِنى للمبيت فيها.


ويُستحبّ للحاجّ أن يخرج من مكّة إلى مِنى بعد طلوع شمس يوم التورية، ويُسنّ أن يُصلّي فيها الخمس صلوات، لقول جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: (... فَلَمَّا كانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلى مِنًى، فأهَلُّوا بالحَجِّ، وَرَكِبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ...)،[٢] ثمّ يبيت فيها ليلة عرفة، والمبيت في مِنى ليلة عرفة سنَّةٌ باتفاق الفقهاء، وفي الصباح بعد طلوع الشمس يسير الحاج من مِنى إلى عرفة.[٣]


المبيت في مِنى ليالي التشريق

تعدّدت آراء الفقهاء في حكم المبيت في مِنى في ليالي التشريق لغير المتعجّل، وبيان أقوالهم فيما يأتي:[٤]

  • المبيت في مِنى واجب

وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، ومَن ترك المبيت بمِنى في ليالي التشريق فعليه دم -فدية- عند المالكية والشافعية، أمّا الحنابلة فقالوا: ليس عليه شيء؛ لأنّه لا يوجد دليل شرعي على ترتّب الفدية عليه، وفي قولٍ آخر عن الإمام أحمد قال بوجوب الفدية على مَن ترك المبيت بمِنى في الليالي الثلاث.


  • المبيت في مِنى سنّة

وهو قول الحنفية، فهو كحكم المبيت في مِنى ليلة عرفة، ولكن الإقامة والمبيت فيها لرمي الجمرات أفضل، فإن تركه الحاج فلا شيء عليه؛ لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- رخّص لعمّه العباس أن يبيت في مكة بدلاً من مِنى للسّقاية، ولكنّ مَن يترك المبيت في مِنى دون عذرٍ يكون مُسيئاً.


حكم مَن ترك المبيت في منى لعذر

ذكرنا فيما سبق حكم المبيت في مِنى بليالي التشريق، وهذه الأحكام بالنسبة لغير المتعجّل، أمّا الحاجّ المتعجّل فيكفي أن يبيت في مِنى ليلتيّ التشريق فقط، وهما: ليلتا الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة، فإن ترك المبيت في الليلة الثالثة فلا شيء عليه.[٥]


ورخّص الفقهاء في ترك المبيت بِمِنى ليالي التشريق لأصحاب الأعذار، وهم: رُعاة الإبل والسُّقاة، ويُقاس عليهم المريض، ومَن يخاف على أهله أو ماله ونحوها من الأعذار، ويدلّ على ذلك ما يأتي:[٥]

  • حديث ابن عمر -رضي الله عنه-: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أذنَ للعبَّاسِ بنِ عبدِ المطَّلبِ، استأذنَ نبيَّ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أن يبيتَ بمَكَّةَ لياليَ منًى من أجلِ سقايتِهِ فأذنَ لَهُ).[٦]
  • حديث عاصم بن عدي -رضي الله عنه-: (رَخَّصَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِرِعاءِ الإبل في البَيتوتَةِ، أنْ يَرْمُوا يومَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَجمعُوا رَمْيَ يَومَيْنِ بعدَ يَومِ النَّحْرِ، فيَرْمُونَهُ في أحَدِهِما،... ثُمَّ يَرمُونَ يومَ النَّفْرِ).[٧]

المراجع

  1. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 112، جزء 4. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.
  3. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 90، جزء 4. بتصرّف.
  4. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2265-2267، جزء 3. بتصرّف.
  5. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 324، جزء 7. بتصرّف.
  6. رواه ابن خزيمة، في صحيح ابن خزيمة، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:4/527، أخرجه في صحيحه.
  7. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عاصم بن عدي، الصفحة أو الرقم:955، حسن صحيح.