لماذا أمرنا الله بالصلاة عند مقام إبراهيم؟

الحكمة من التشريعات الإلهية

شرع الله -سبحانه وتعالى- العديد من الأمور التعبديّة التي قد يُدرك المسلم الحكمة والمقصد من تشريعها؛ إمّا بصريح النصوص، أو بقرائن الحال، أو باجتهاد وبحث أهل الاختصاص، كما قد لا يُدرك المسلم الحكم الإلهيّة من وراء بعض التشريعات، فيكون القيام بها من باب التسليم والامتثال لأمر الله -سبحانه-؛ الذي هو من لوازم الإسلام.


إضافةً إلى أنّ بعض الأعمال والعبادات المتعلقة بأداء النُسُك قد يُصعب تعليلها، أو قد يكون في التماس حكمتها تكلّف ظاهر، فيبقى ذلك في علم الله -سبحانه- وحده، والذي يجب على المسلم هو الاتباع؛ سواء عقل المعنى، أم لم يعقله.


الحكمة من الصلاة عند مقام إبراهيم

اجتهد بعض أهل العلم في البحث عن الحكمة التي من أجلها شرع الله -تعالى- الصلاة خلف مقام إبراهيم عليه السلام-؛ انطلاقاً من قوله -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى...)؛[١] فتوصلوا إلى الآتي:

  • أنّ ذلك حثاً للصلاة في البيت الحرام؛ حيث ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ تخصيص الصلاة عند مقام إبراهيم -عليه السلام-، تحديداً عند أثر الصخرة التي اعتلاها -عليه السلام- في بناء البيت لم يكن مخصصاً في بداية التشريع؛ إنّما كان الأمر باتخاذ المقام مصلى مشمولاً بالصلاة في المسجد الحرام، ثم نزل بعد ذلك على النبي -صلى الله عليه وسلم- التخصيص والتشريع؛ حيث وافق ذلك إشارة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على النبي -صلى الله عليه وسلم-.[٢]
  • التقرب إلى الله -تعالى- بأداء ركعتي الطواف عنده.[٣]
  • الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- واتباع هديه؛ فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يُصلي عند المقام بعد الطواف؛ ففي الحديث الثابت عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: (... ثُمَّ نَفَذَ إلى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه السَّلَام، فَقَرَأَ: "وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى"، فَجَعَلَ المَقَامَ بيْنَهُ وبيْنَ البَيْتِ... وكانَ يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" وَ"قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ"...).[٤][٥]
  • الإبقاء على السنن الحنيفيّة السمحة التي كانت قبل الإسلام، وقبل تخصيص بعض أحكامها بهذه الأمة.[٦]
  • تعظيم شعائر الله -تعالى-، وتعظيم أمور دينه -سبحانه-؛ قال -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).[٧][٨]
  • الارتباط بالأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-؛ من إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام-، اللذان بنيا البيت وطهراه، ورفعا قواعده، إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي عظّم البيت وشعائره، فيكون في ذهن المسلم في أثناء أداء العبادات سير الأنبياء الصالحين؛ ليقتدي بهم في عمله وإخلاص عبادته.[٩]
  • تعظيم مكانة النبي إبراهيم -عليه السلام-، وتذكر ما قدّمه من الوقائع السابقة، فيكون أدعى إلى المبادرة، والاجتهاد، واحتمال المشاق.[١٠]


مقام إبراهيم عليه السلام

هو المكان المواجه لباب الكعبة المشرفة، والذي يقع على بعد سبعة وعشرين ذراعاً، ومحاطٌ في الوقت الحاضر بمقصورة من زجاج، يظهر فيها أثر قدم إبراهيم -عليه السلام-؛ حيث قيل إنّ هذا المقام كان في أصله حجراً صعد عليه الخليل أثناء بناء الكعبة، فأثرت فيه آثار أقدامه وغاصت، إلا أنّ تفاصيل ذلك انمحت مع مرور الأزمان، وكثرة تماسح الناس فيه.[٣]


ولقد كان المقام زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- ملاصقاً للكعبة المشرفة؛ إلا أنّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أبعده عن الكعبة لما رأى ما يلحق بالطائفين من التضييق، فقام بإزاحته، واتخذ المقصورة عليه.[٣]


ومن الجدير بالذكر أنّ لمقام إبراهيم -عليه السلام- عدداً من الفضائل التي ورد ذكرها في السنّة النبويّة؛ من ذلك أنّه ياقوتة الجنّة، ففي الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الركنَ والمقامَ ياقوتتان من الجنَّةِ، طمس اللهُ -تعالى- نورَهما، ولو لم يَطمِسْ نورَهما لأضاءَتا ما بين المشرقِ والمغربِ).[١١][١٢]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:125
  2. ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 711، جزء 1. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت موسى شاهين لاشين، فتح المنعم شرح صحيح مسلم، صفحة 306، جزء 9. بتصرّف.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.
  5. أبو بكر الرازي الجصاص، أحكام القرآن، صفحة 90، جزء 1. بتصرّف.
  6. عبد العزيز الطريفي، التفسير والبيان لأحكام القرآن، صفحة 110-111، جزء 1. بتصرّف.
  7. سورة الحج، آية:32
  8. أمين الشقاوي، الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة، صفحة 480، جزء 12. بتصرّف.
  9. سليمان بن حمد العودة، شعاع من المحراب، صفحة 227، جزء 7. بتصرّف.
  10. ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، صفحة 71، جزء 2. بتصرّف.
  11. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1633، صحيح.
  12. الجلال السيوطي ، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، صفحة 291، جزء 1. بتصرّف.