التعريف بمنطقة التنعيم

تقع منطقة التّنعيم في مكّة المكرّمة خارج حدود الحرم، أي في منطقة الحِلّ، وتحديداً بين مكة ومكانٍ معروف تاريخياً يسمّى سَرَف، وتُقدّر المسافة بين الحرم المكي والتّنعيم بحوالي سبعة كليومتراً، وسُمّيت منطقة التّنعيم بهذا الاسم لأنّها تقع بين جبلين، أحدهما عن يمينها يقال له نعيم، والآخر عن شمالها يقال له ناعم، وبينهما وادٍ اسمه نعمان.[١]


ويعدّ التّنعيم اليوم حيّاً جميلاً من أحياء مكة العامرة بالحياة والعمران، ومن ناحيةٍ شرعيّة فالتّنعيم هو أقرب الحِلّ إلى الحرم المكّي، لذا يعتبر التنعيم ميقاتًا لمن أراد الإحرام بالعمرة من أهل مكة -كما سيأتي بيانه-.[٢]


الإحرام من ميقات التنعيم

الإحرام هو نيّة دخول المسلم في نُسُك الحجّ أو العمرة، ولا بدّ أن يكون على نيَّةٍ وصفةٍ معيَّنةٍ حدّدها الشرع، ومن ذلك الإحرام من الميقات، ويجدر بالذّكر أنّ النّاس في الإحرام من المواقيت المكانية على عدّة حالات، ويتعلّق الإحرام من ميقات أدنى الحلّ -التنعيم- بالمُقيم في مكّة المكرّمة، فإذا نوى العمرة أو التمتّع وجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحلّ حتى يُحرِم منه.[٣]


ويدلّ على ذلك ما ثبت عن الأسود بن يزيد -رضي الله عنه- أنه قال: (قالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: يا رَسولَ اللَّهِ، يَصْدُرُ النَّاسُ بنُسُكَيْنِ، وأَصْدُرُ بنُسُكٍ؟ فقِيلَ لَهَا: انْتَظِرِي، فَإِذَا طَهُرْتِ، فَاخْرُجِي إلى التَّنْعِيمِ، فأهِلِّي ثُمَّ ائْتِينَا بمَكَانِ كَذَا، ولَكِنَّهَا علَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أوْ نَصَبِكِ).[٤]


أفضل بقاع الحلّ للإحرام بالعمرة

يجدر بالذّكر أن المقيم في مكّة له أن يُحرم من أيّ مكانٍ شاء في الحلّ حتّى يتحقّق وقوع السفر، ولكنّ أفضل أماكن الحلّ للإحرام بالعمرة عند الفقهاء هي:[٥]

  • الحنفية والحنابلة

قالوا إنّ أفضل مواطن الإحرام بالعمرة للمقيم في مكّة هي التنعيم، لأنّها أدنى الحلّ إلى مكة، ولأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- طلب من عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنه- أن يذهب بعائشة -رضي الله عنها- إلى التنعيم لتُحرِمَ منه.[٦]


والتنعيم هو الموضع الذي يقع فيه الآن مسجد السيدة عائشة -رضي الله عنها-، ويلي ذلك من حيث الأفضلية الجعرانة، وهي مكانٌ بين مكّة والطائف، ويليها الحديبية، وهي مكانٌ بين مكة وجدّة.


  • المالكية والشافعية

قالوا إنّ أفضل مواطن الحلّ للإحرام بالعمرة هي الجعرانة، ثمّ التنعيم، ثمّ الحديبية.


بعض الأحكام المتعلّقة بالإحرام من التنعيم

هناك عدّة أحكامٍ تتعلّق بالإحرام من أدنى الحلّ -التنعيم-، وتوضيحها فيما يأتي:[٧]

  • هل يجوز للآفاقي الذي جاء إلى مكّة أداء عمرةٍ أخرى بالإحرام من التنعيم؟

تعدّدت آراء أهل العلم في جواز أداء أكثر من عمرةٍ في الفترة نفسها للآفاقي الذي يقدم إلى مكّة، فرخّص جمهور العلماء للمسلم بالإتيان بأكثر من عمرةٍ في نفس السَّفرة، وخاصةً لمن كان آفاقياً بعيداً عن مكّة ويشقّ عليه العودة من جديد، ولكن يجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحلّ فيُحرم منها لأداء العمرة الأخرى، واستدلّوا على ذلك بإحرام السيدة عائشة من التنعيم.


وذهبت طائفةٌ من العلماء إلى أنّ أداء أكثر من عمرةٍ في نفس السَّفرة ليس من السنّة ولا من هدي السلف، لأنّه لم يثبت عن النبيّ الكريم وصحابته أنّهم اعتمروا أكثر من مرةٍ في الفترة نفسها، باستثناء السيدة عائشة -رضي الله عنها- لأنّها حاضت، وكانت تريد أن ترجع بحجٍّ وعمرة كصويحباتها، فأمرها النبي أن تُحرم من التنعيم تطييباً لقلبها.


  • ما هو حكم المكّي -أو من هو في مكانه- إذا ترك الإحرام بالعمرة من أدنى الحل؟

يجب على المكّي إذا أراد الإحرام للعمرة أن يخرج إلى أدنى الحلّ حتى يُحرم منه، فإنْ أحرم في مكّة أو الحرم دون خروجه إلى الحلّ فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بصحّة إحرامه، ولكن يجب عليه الدّم لأنّه ترك الإحرام من الميقات.[٨]


أما المالكية فقالوا إذا أحرم المكّي من مكانه دون خروجه إلى الحلّ فإحرامه صحيح وليس عليه دم، ولكن يجب عليه أن يخرج إلى الحلّ قبل الطواف والسعي حتى يجمع بين الحلّ والحرم في نسكه، فإن طاف وسعى دون أن يخرج إلى الحلّ لم يُعتدّ بذلك، ووجب عليه الخروج إلى الحلّ ثمّ إعادة الطواف والسعي.[٨]

المراجع

  1. ياقوت الحموي، معجم البلدان، صفحة 49، جزء 2. بتصرّف.
  2. "التنعيم.. ميقات حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أراد العمرة من مكة"، المدينة، اطّلع عليه بتاريخ 25/4/2023. بتصرّف.
  3. محمد التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 248-249، جزء 3. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن الأسود بن يزيد، الصفحة أو الرقم:1787، صحيح.
  5. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 104، جزء 18. بتصرّف.
  6. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2126-2127، جزء 3. بتصرّف.
  7. "من كان بمكة وأراد أن يعتمر مرة أخرى ماذا يفعل؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 25/4/2023. بتصرّف.
  8. ^ أ ب عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 618، جزء 1. بتصرّف.