ميقات أهل مكة المكرمة

فصّل العلماء في تحديد ميقات أهل مكة المكرمة بحسب نوع الإحرام؛ أكان إحراماً للحج أو للعمرة، كما بيّنوا ميقات كل منهما في حال كان المُحرم من أهل مكة المكرمة أو من غيرها؛ ويمكن التوضيح مع الأدلة الشرعية الدالة على كلّ ذلك على النحو الآتي:


ميقات أهل مكة للحج

يُحرم أهل مكة المكرمة للحج المفرد أو الحجّ المقترن مع العمرة من مكة المكرمة ذاتها سواء أكانوا من أهلها أم لا؛ إذا لا يُشترط الخروج إلى خارج منطقة الحرم ووصول منطقة الحلّ للإحرام؛ ودليل ذلك ما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (وَقَّتَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لأهْلِ المَدِينَةِ ذي الحُلَيْفَةِ، ولِأَهْلِ الشَّامِ الجُحْفَةَ، ولِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنازِلِ، ولِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لهنَّ، ولِمَن أتَى عليهنَّ مِن غيرِ أهْلِهِنَّ لِمَن كانَ يُرِيدُ الحَجَّ والعُمْرَةَ، فمَن كانَ دُونَهُنَّ، فَمُهَلُّهُ مِن أهْلِهِ، وكَذاكَ حتَّى أهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْها)،[١][٢]


وبهذا للحاج المكيّ أن يُحرم من منزله، وله أيضاً أن يخرج إلى عرفة، ويحُرم منه -وهو من منطقة الحلّ-؛ وبذلك يجمع بين الحلّ والحرم.[٢]


ميقات أهل مكة للعمرة

يُشترط لمن أراد الإحرام للعمرة المفردة من أهل مكة المكرمة أو ممّن يُقيم فيها من غير أهلها الخروج إلى منطقة التنعيم أو أيّ منطقة من الحلّ -خارج حدود الحرم- للإحرام منها؛ وبهذا قال جمهور الفقهاء استدلالاً بحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-؛ حين حاضت في الحجّ، فلمّا طَهُرت بمنى أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما-؛ وقال له: (اخْرُجْ بأُخْتِكَ مِنَ الحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بعُمْرَةٍ، ثُمَّ لِتَطُفْ بالبَيْتِ، فإنِّي أَنْتَظِرُكُما هَا هُنَا).[٣][٤]


تقول عائشة -رضي الله عنها-: (فَخَرَجْنَا فأهْلَلْتُ، ثُمَّ طُفْتُ بالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَجِئْنَا رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- وَهو في مَنْزِلِهِ مِن جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقالَ: هلْ فَرَغْتِ؟ قُلتُ: نَعَمْ، فَآذَنَ في أَصْحَابِهِ بالرَّحِيلِ، فَخَرَجَ فَمَرَّ بالبَيْتِ، فَطَافَ به قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ خَرَجَ إلى المَدِينَةِ)،[٣] والتّنعيم هو أدنى الحلّ لذا خصّه العلماء بالذّكر، لكن للمُحرم في مثل هذه الحالة الخروج إلى أيّ منطقة من الحلّ للإحرام منها؛[٤] فحدود الحرم بين عرفة ومزدلفة، وما سوى ذلك هو من الحلّ.[٥]


الحكمة من اختلاف مواقيت أهل مكة

علّل بعض العلماء اختلاف المواقيت المكانية لإحرام أهل مكة المكرمة في الحج والعمرة؛ بأنّ ذلك يعود لطبيعة النُّسك بالحج، والنُّسك بالعمرة؛ وذلك كما يأتي:[٦]

  • إنّ أعمال الحج الواجبة تبدأ من خارج الحرم؛ أيّ من عرفة، لذا أُبيح الإحرام بالحج من مكة المكرمة نفسها لمن هو فيها، أو من أهلها.
  • أمّا أعمال العمرة فتبدأ من الحرم لأهل مكة المكرمة، وتنتهي كذلك بالحرم؛ فلم يَجُزْ أن يكون الإحرام من مكة المكرمة لأهلها؛ وإنما من أدنى الحلّ أو من خارج الحرم.
  • إنّ في ذلك تعظيماً لشعائر الله -تعالى- ولبيته الحرام؛ لأنّ الإحرام بالنُسُك هو من خصائص مكة المكرمة دون غيرها.[٧]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1526، صحيح.
  2. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 69، جزء 14. بتصرّف.
  3. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1211، صحيح.
  4. ^ أ ب عبد الله بن محمد البصيري، الحج والعمرة والزيارة، صفحة 283-284. بتصرّف.
  5. عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 13، جزء 214. بتصرّف.
  6. محمد محيي الدين حمادة، الحج من نظم الإمام العمريطي الشافعي في نهاية التدريب في نظم غاية التدريب، صفحة 35. بتصرّف.
  7. عبد الكريم بن صنيتان العمري، تسهيل المناسك، صفحة 56.