مبطلات الطواف

اشترط الفقهاء عدّة شروط لصحّة الطواف، ومتى ما اختلّ شرط من هذه الشروط بطل الطواف ولم يصحّ؛ ويمكن بيان هذه المبطلات على النحو الآتي:


الحدث الأكبر أو الأصغر

يجب على الطائف بالبيت الحرام أن يكن طاهراً من الحدثين الأكبر أو الأصغر؛ لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الطوافُ حولَ البيتِ مثلُ الصَّلاةِ، إلا أنكم تتكلَّمونَ فيه، فمن تكلَّمَ فيه فلا يتكلَّمْ إلا بخيرٍ)،[١] ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عندما حاضت بالحجّ: (... افْعَلِي ما يَفْعَلُ الحَاجُّ، غيرَ أَنْ لا تَطُوفي بالبَيْتِ حتَّى تَطْهُرِي).[٢] وغيرها من الأدلة التي تبيّن أنّ الطهارة -من الحدثين- شرط لصحّة الطواف.[٣]


نجاسة الثوب أو البدن

ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بأنّ الطهارة من الخبث والنجاسة -في الثوب والبدن- شرط لصحّة الطواف؛ واستدلّوا بعموم قوله -تعالى- للخليل إبراهيم -عليه السلام-: (... طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)؛[٤] فهذه الآية تُحمل على تحقق طهارة الطائفين أيضاً لصحّة الطواف.[٣]


إظهار العورة

يجب في الطواف ستر العورة على النحو الصحيح المقرر في الشريعة الإسلاميّة؛ لما ثبت في الصحيح أنّ أبا بكر بعث أبا هريرة -رضي الله عنهما- في الحجّ ليُؤذن بالناس: (... ألَّا يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، ولَا يَطُوفَ بالبَيْتِ عُرْيَانٌ...)،[٥] وقد كان ذلك بحضور النبي -صلى الله عليه وسلم- وإقراره.[٣]


الطواف بأقل من سبعة أشواط

إنّ الطواف في البيت سبعة أشواط شرط لصحّة الطواف -على الراجح-؛ لأنّ عدد أشواط الطواف مقدّرة كعدد ركعات الصلاة، فلا يجوز إلا أن تكون كاملة، وهذا ما ثبت من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في طوافه؛ فقد ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (رَمَلَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- مِنَ الحَجَرِ إلى الحَجَرِ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا).[٦][٧]


أن لا يكون الطواف بجميع البيت

يجب على الطائف أن يطوف بالكعبة كلّها، وأن يكون طوافه من خارجها؛ فمن طاف من داخل الحِجْر كان طوافه ناقصاً ولم يصحّ؛ ودليل ذلك عموم قوله -تعالى-: (... وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).[٨][٧]


عدم الترتيب في الطواف

يُقصد بالترتيب في الطواف أن يطوف الطائف عن يمينه، ويجعل البيت عن يساره؛ فلو عكس الأمر وطاف من يساره، وجعل البيت عن يمينه بطل طوافه؛ استدلالاً بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في طوافه ومناسكه؛ ولقوله -عليه السلام- مرشداً المسلمين من بعده في هذا الأمر: (يا أَيُّها الناسُ خُذُوا عَنِّي مناسكَكم، فإني لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بعد عامي هذا).[٩][١٠]


عدم البدء والانتهاء بالحجر الأسود

يجب على الطائف أن يبدأ طوافه من الحجر الأسود، وينتهي إليه في كل شوط من الأشواط السبعة؛ بدلالة فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأسْوَدَ، أوَّلَ ما يَطُوفُ: يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ)،[١١] وفي الحديث دلالة على البدء بالحجر الأسود لصحّة الطواف.[٧]


ترك نيّة الطواف

اتفق جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة؛ على أنّ النيّة أصل الطواف؛ على اعتبار أنّ الطواف كالصلاة، والصلاة يلزم فيها النيّة، وكذلك الطواف، كما أنّ الطواف عبادة مقصودة تصحّ بالنيّة، وقد استدلّوا بعموم الأدلة التي تحدّثت عن النيّة؛ من ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ...).[١٢] أمّا إذا كان الطواف في نُسُك الحجّ أو العمرة لم يُشترط تعيين النيّة فيه؛ وهذا ما ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة -في الأصحّ عندهم-، وهو ما رجّحه بعض المتأخرين.[١٣]


الموالاة في الطواف

يُقصد بالموالاة في الطواف التتابع بين أشواطه دون الفصل بينها، وقد اتفق الفقهاء على مشروعيّة الموالاة، وأنّ الفصل اليسير لا يُؤثر في الموالاة، ولكن تعددت آراؤهم في صفة هذه الموالاة على النحو الآتي:[١٤]

  • ذهب الحنفيّة، والقول الأصحّ عند الشافعيّة، وتخريج عند الحنابلة؛ إلى أنّ الموالاة سنّة، فلا يضرّ الفصل بين الأشواط مطلقاً، سواء أكان الفصل طويلاً أم قصيراً، أو بعذر أو دون عذر.
  • اختار المالكيّة والحنابلة في رواية عنهم، أنّّ الموالاة شرط مطلق، سواء فصل الطائف بين الأشواط عمداً أو سهواً.
  • ذهب الشافعيّة في قول لهم، والحنابلة في رواية أخرى؛ إلى أنّ الموالاة شرط إذا لم يوجَد عذر، فإذا كان هنالك عذر لم تكن الموالاة شرطاً في الطواف؛ ولا يبطل الفصل بين الأشواط بسبب هذا العذر.


وتجدر الإشارة إلى أنّ الفقهاء قد اتفقوا على جواز قطع الطواف إذا أقيمت الصلاة المكتوبة، فعلى الطائف أن يقطع طوافه ويُصلي مع الجماعة، فإذا انقضت الصلاة بنى على طوافه؛ أيّ استكمل ما بقي من أشواطه، على اعتبار أنّ القطع بسبب الصلاة فعل مشروع يأخذ حكم الفعل اليسير.[١٥]

المراجع

  1. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:960، قال الألباني صح مرفوعا.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1211، صحيح.
  3. ^ أ ب ت سعيد بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 363-369. بتصرّف.
  4. سورة الحج، آية:26
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:4655، صحيح.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1262، صحيح.
  7. ^ أ ب ت محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 288، جزء 3. بتصرّف.
  8. سورة الحج، آية:29
  9. رواه النسائي، في السنن الكبرى، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:3062، صححه الألباني.
  10. حمد الحمد، شرح زاد المستقنع، صفحة 147، جزء 11. بتصرّف.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1603، صحيح متفق عليه.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1، صحيح.
  13. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 177-178، جزء 2. بتصرّف.
  14. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 243-244، جزء 44. بتصرّف.
  15. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 213، جزء 8. بتصرّف.