هل يجوز الشراء بعد طواف الوداع؟

اشترط جمهور الفقهاء في طواف الوداع أن يكون آخر العهد بالبيت الحرام؛ بما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال في طواف الوداع: (أُمِرَ النَّاسُ أنْ يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبَيْتِ...)،[١] وعلى هذا يلزم الحاجّ بعد أداء طواف الوداع أن يُباشر السفر، ولا بأس إن تأخر بما يتعلّق بأمور سفره؛ كشراء الزاد، وتجهيز الأمتعة ونحو ذلك.[٢]


بينما ذهب الحنفيّة إلى القول بأنّ المقصود بآخر العهد بالبيت: نُسُكاً لا إقامة؛ فيجوز عند الحنفيّة أن يُؤخر الحاجّ طواف الوداع حتى يعزم أمره على السفر، وإن طاف وتأخر فلا حرج، لكن يُستحبّ أن يُؤخر أداء هذا الطواف عندهم إلى حين السفر.[٢]


ولقد فصّل الفقهاء في حكم من طاف طواف الوداع، ثم تأخر بعد ذلك عن السفر والخروج؛ فقالوا:[٣]

  • لا حرج على من تأخر بسبب حاجة تتعلق بالسفر -كما أشرنا-؛ كانتظار الحافلة، وإعداد المؤون وشرائها، ونحوها؛ وإن طال تأخره هذا فترة من الزمن.
  • يجب إعادة طواف الوداع لمن تأخر من غير حاجة تتعلق بالسفر؛ كعيادة المريض، أو زياة الأهل، أو حضور الجنائز، أو نحوها من الأسباب، وإن لم يقدر على الإعادة وجب عليه دم جبران بذبح شاة.


شروط طواف الوداع

وضع الفقهاء عدّة شروط لصحّة طواف الوداع؛ وقد استدلّوا على بعض هذه الشروط بالأدلة الثابتة في السنّة النبويّة؛ ويمكن بيان هذه الشروط مع أدلتها على النحو الآتي:


أن يكون الحاجّ من أهل الآفاق

اتفق جمهور الفقهاء الأربعة؛ من الحنفيّة والمالكيّة، والشافعيّة والحنابلة، على أنّ طواف الوداع لا يجب على المكيّ، بينما يجب على غيره من أهل الآفاق -غير المقيمين بمكة المكرمة أو من نوى الإقامة فيها-؛ وذلك لأنّ هذا الطواف وجب توديعاً للبيت الحرام، وهذا لا يجب في حقّ أهل مكة المكرمة لأنّهم في بلادهم ووطنهم، وقرب البيت الحرام.[٤]


الطهارة من الحيض والنفاس

خفف التشريع عن المرأة الحائض والنفساء في أداء طواف الوداع، فلا يجب على كلٍ منهما إذا أرادتا المباشرة بالسفر، كما لا تلزمهما الفديّة على ترك هذا الواجب، وهو قول أصحاب المذاهب الأربعة؛ ودليلهم في ذلك ما ثبت من قول عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-، في طواف الوداع: (أُمِرَ النَّاسُ أنْ يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبَيْتِ، إلَّا أنَّه خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ).[١][٤]


كما استدلّوا بما ثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، أنّها قالت: (إنَّ صَفِيَّةَ بنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، حَاضَتْ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَقالَ النبيُّ: أحَابِسَتُنَا هي فَقُلتُ: إنَّهَا قدْ أفَاضَتْ يا رَسولَ اللَّهِ وطَافَتْ بالبَيْتِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَلْتَنْفِرْ[٥] وفي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أم المؤمنين صفية بالنفر بعد التأكد من أدائها طواف الإفاضة، وقبل توديعها البيت الحرام، يدلّ على جواز ترك الحائض أو النفساء أداء طواف الوداع.[٤]

المراجع

  1. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1755، صحيح.
  2. ^ أ ب عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 87، جزء 4. بتصرّف.
  3. لجنة الإفتاء ومراجعة سماحة المفتي العام الشيخ عبد الكريم الخصاونة (16/3/2010)، "لم نغادر مكة بعد طواف الوداع فما الحكم؟"، دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 22/6/2023. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 318، جزء 2. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:4401، صحيح.