لبس الحذاء في العمرة للنساء

فصّل أهل العلم في المحظورات التي لا يصحّ الإتيان بها بعد عقد نيّة الإحرام لأداء النُسُك، ومن هذه المحظورات ما هو خاص بالرجال دون النساء، ومنها ما هو خاص بالنساء دون الرجال، ومنها ما هو مشترك بين الرجال والنساء على حدٍّ سواء.


ومن الجدير بالذكر أنّ ارتداء الحذاء أو الخفاف في الإحرام -سواء للحجّ أو للعمرة- محظور من محظورات الإحرام للرجال على وجه الخصوص؛ إذ إنّ المرأة تلبس الحذاء والمخيط المفصّل على قدر العضو من أعضاء البدن باستثناء القفازات في اليدين، وشدّ النقاب على الرأس والوجه، وما سواهما فإنّه جائز لها، فتلبس لبسها المعتاد الساتر.[١]


ودليل ذلك ما جاء في تفصيل النبي -صلى الله عليه وسلم- لمّا سُئل عمّا يلبسه المُحرم عند إحرامه، ففصّل في اللباس المحظور في حقّ الرجال والنساء،[٢]حيث قال -عليه السلام-: (... لا تَلْبَسُوا القَمِيصَ، ولَا السَّرَاوِيلَاتِ، ولَا العَمَائِمَ، ولَا البَرَانِسَ، إلَّا أنْ يَكونَ أحَدٌ ليسَتْ له نَعْلَانِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، ولْيَقْطَعْ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، ولَا تَلْبَسُوا شيئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، ولَا الوَرْسُ، ولَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، ولَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ).[٣]


وفي هذا الحديث خصّ النبي -صلى الله عليه وسلم- المرأة بحرمة لبس النقاب والقفازين، دون تحريم لبس المخيط ولا الخفاف، وقد أجاز أهل العلم للمرأة استبدال لبس النقاب بإسداله على الوجه دون إلصاقه، فمتى مرّ الرجال ودعت الحاجة إلى تغطية الوجه غطته.[٢]


لبس الحذاء في العمرة للرجال

بيّن الحديث النبويّ المذكور آنفاً أنّ لبس الخفاف أو الأحذيّة التي تغطي الكعبين لا يجوز للرجل أن يلبسهما في إحرامه، إلا في حال عدم توفر النعال، ولقد تعددت أقوال أهل العلم في لزوم قطع الحذاء أو الخفّ الذي يغطي الكعبين لمن ارتداه بدل النعل، ويمكن بيان ذلك على النحو الآتي:[٤]


  • جواز لبس الخفين لمن لم يجد النعلين دون قطعهما

ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ من لم يجد النعلين له أن يلبس الخفين دون الحاجة لقطعهما؛ لأنّ الأمر بالقطع منسوخ، وهو قول الإمام أحمد وابن تيمية، وابن القيم ومن وافقهم من السلف.


وقد استدلوا على ذلك بأنّ الحديث الذي ورد فيه الأمر بالقطع كان في المدينة المنورة وهو رواية ابن عمر -رضي الله عنهما-، أمّا في مكة المكرمة، وعلى عرفات تحديداً لم يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- القطع لمن لم يجد النعال.


وهي رواية أخرى لابن عباس وعبد الله بن جابر -رضي الله عنهم جميعاً-، فقد ثبت عن عبد الله بن عباس أنّه قال: (خَطَبَنَا النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بعَرَفَاتٍ، فَقالَ: مَن لَمْ يَجِدِ الإزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، ومَن لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ)،[٥] وعن جابر أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَمَن لَمْ يَجِدْ إِزَارًا، فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ).[٦]


وهذه الأحاديث تدلّ على أنّ الأمر بالقطع كان متقدماً، بينما لم يُذكر القطع في الروايات المتأخرة؛ والتي كانت بمكة المكرمة، إضافةً إلى أنّ الحاضرين المُحرمين بالحجّ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- والحاضرين لخطبته في عرفات كانوا أكثر ممن سمعه في المدينة المنورة.


  • جواز لبس الخفين لمن لم يجد النعلين مع قطعهما

اعترض بعض أهل العلم على أدلة القائلين بعدم لزوم القطع عند ارتداء الخفاف بدل النعال لمن لم يجدها، فقالوا إنّ بعض الروايات التي جاء فيها الأمر بالقطع ثبتت أيضاً عن ابن عباس وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهم جميعاً-، فتكون هذه الروايات مؤكدة لرواية ابن عمر -رضي الله عنه- وليست ناسخةً لها.


وأضافوا أنّ الجمع بين هذه الأحاديث ممكن إذا حُمل المطلق على المُقيّد، فيكون في حديث ابن عمر -رضي الله عنه- زيادة صحيحة ينبغي قبولها.

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 321، جزء 30. بتصرّف.
  2. ^ أ ب كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 201-202، جزء 2. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1838، صحيح.
  4. محمد إبراهيم بن سركند، الأحكام الفقهية التي قيل فيها بالنسخ وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء، صفحة 1545-1550، جزء 3. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1843، صحيح.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله ، الصفحة أو الرقم:1179، صحيح.