سنن السعي بين الصفا والمروة

فصّل الفقهاء في شروط السعيّ وأحكامه، وما يصحّ معه وما لا يصحّ، كما بيّنوا وقته وترتيبه بيين الأركان والواجبات، بالإضافة إلى التفصيل بالسنن التي يُستحب القيام بها في السعيّ بين الصفا والمروة، فخلصوا إلى الآتي:


سنن السعي عند الحنفيّة

ذهب الحنفيّة إلى أنّ سنن السعي منها ما يُستحب الإتيان بها قبل البدء به، ومنها ما يُستحب أثناء القيام به، ومن هذه السنن:[١]

  • استلام الحجر الأسود نهاية الطواف، وقبل البدء بالسعي.
  • الموالاة بين الطواف والسعي.
  • الخروج إلى السعي من باب الصفا.
  • الصعود على الصفا والمروة، حتى يتمكن الساعي من رؤية الكعبة المشرّفة، والبقاء عليهما بقدر ما يُقرأ من سور القرآن الكريم القصيرة.
  • قراءة قوله -تعالى- في بداية السعي: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا...).[٢]
  • رفع اليدين حَذْوَ المنكبين عند البدء.
  • استقبال الكعبة المشرّفة، مع التهليل والتكبير والتحميد، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بصوت مرتفع؛ بأن يدعو بالذكر الآتي: (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهو علَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ).[٣]
  • الدعاء عند السعي بقول: "رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم".
  • استحباب الإكثار من الذكر؛ بالتسبيح التهليل والتكبير ونحوها من الأذكار.
  • استحباب الإكثار من الدعاء النافع.
  • الرَّمَل بين الميلين الأخضرين للرجال.
  • الموالاة بين أشواط السعي.
  • الطهارة من الحدثين.
  • صلاة ركعتين بعد السعي.


سنن السعيّ عند المالكيّة

لم تختلف سنن السعي عند المالكيّة عمّا ذهب إليه الحنفيّة، فقد وافقوهم في أكثر السنن التي قالوا بها؛ إلا أنّهم زادوا على استحباب استلام الحجر الأسود قبل السعي، وبعد الطواف؛ استحباب تقبيله أيضاً -في حال التمكن من ذلك-، بالإضافة إلى أنّ استحباب الصعود على جبلي الصفا والمروة يكون بحق الرجال دون النساء؛ فإن خلا المحلّ من الرجال، وتمكنت المرأة من الصعود دون ضرر، جاز لها ذلك.[٤]


سنن السعي عند الشافعيّة

زاد فقهاء الشافعيّة على بعض السنن التي تقدّم ذكرها عند المذاهب الأخرى، فقالوا باستحباب القيام بالأعمال الآتية:[٥]

  • ستر العورة.
  • الاضطباع للرجال.
  • السعي مشيّاً.
  • المشي أول السعي وآخره، وما بينهما يُسن الإسراع والعَدْو.
  • الدعاء بين الميلين الأخضرين أثناء الهرولة: "رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، اللهم اجعله حجاً مبروراً -أو عمرة مبرورة- وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً، وتجارة لن تبور، يا عزيز يا غفور".
  • الخروج من باب الصفا عند الانتهاء من السعي.
  • استحباب السعي ليلاً للنساء، فهو أستر وأسلم لهنّ.


سنن السعي عن الحنابلة

ذهب الحنابلة إلى موافقة المذاهب الفقهيّة في السنن المستحبة بالسعي، وزادوا استحباب الدعاء عند صعود الصفا والمروة بقول: (اللَّهُمَّ اعْصِمْنَا بِدِينِكَ وَطَوَاعِيَتِكَ وَطَوَاعِيَةِ رَسُولِكَ وَجَنِّبْنَا حُدُودَكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا نُحِبُّكَ وَنُحِبُّ مَلَائِكَتَكَ، وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسَلَكَ وَنُحِبُّ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْنَا إِلَيْكَ، وَإِلَى مَلَائِكَتِكَ وَإِلَى أَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ، وَإِلَى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ يَسِّرْنَا لِلْيُسْرَى وَجَنِّبْنَا وَاغْفِرْ لَنَا فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى وَاجْعَلْنَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ... اللَّهُمَّ أَحْيِنِي عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّكَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِ وَأَعِذْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَن).[٦][٧]


كما نوهوا إلى أنّ السعي لا يُسنّ فيه التكرار كالطواف، فهو ركن يُؤدى مرة واحدة في النُسك، فمن سعى بعد طواف القدوم لم يأتِ به بعد طواف الزيارة، أما من لم يسعَ بعد طواف القدوم أتى به بعد طواف الزيارة؛ وبيّنوا أنّ المقصود بالتطوع المذكور في آية الصفا والمروة؛ إنّما قُصد به التطوع في الحجّ والعمرة على وجه العموم، لا على السعي بين الصفا والمروة تحديداً.[٧]


السعي بين الصفا والمروة

يُقصد بالسعي بين الصفا والمروة: المشي بين جبلي الصفا والمروة، ذهاباً وإياباً بنيّة التعبّد لله -تعالى-، وهو ركن من أركان الحجّ والعمرة؛[٨] فقد قال -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم تأكيداً على ذلك: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا...)،[٢] كما ثبت في الصحيح عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (... رَأَيْنَا رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- أَحْرَمَ بالحَجِّ، وَطَافَ بالبَيْتِ، وَسَعَى بيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ...).[٩][١٠]


وأصل مشروعيّة السعي بين الصفا والمروة يعود إلى قصة هاجر أم إسماعيل -عليه السلام-، عندما تركها الخليل إبراهيم -عليه السلام- وابنها إسماعيل في مكة المكرمة، وقد أمدّها بالطعام والشراب؛ فلمّا نفذ ما كان معها أخذت هاجر -عليها السلام- تسعى بين جبلي الصفا والمروة، وتقف على كل واحدٍ منهما، وتنظر وتراقب؛ لعلّها تجد ماءً أو أحداً من البشر، فظلّت تفعل ذلك حتى أتمت سبع أشواط، فكان ذلك سعيّ الناس بينهما.[١٠]


الحكمة من السعي بين الصفا والمروة

اجتهد جمعٌ من أهل العلم في معرفة الحكمة التي من أجلها شرع الله -سبحانه- السعي بين الصفا والمروة، والتي من أجلها كان السعيّ ركناً لا يتمّ النُسُك إلا به سواء أكان بالعمرة أم بالحجّ، وقد قالوا بذلك كلاماً نفيساً يُجلّ معه السعيّ، ويُستشعر معه عظمة هذا التشريع الإلهيّ؛ فنذكر من ذلك ما يأتي:

  • تذكر قصّة إبراهيم وزوجته هاجر وابنه إسماعيل -عليهم السلام جميعاً-، تخليداً لما حصل لهم، وتعظيماً لمشقتهم، وما أكرمهم الله -تعالى- به من خروج الماء، ونبع زمزم؛ فيكون هذا التذّكر باعثاً للاجتهاد والإقبال والتطوع؛ وكلّ ذلك يعود بالنفع والفائدة على المسلم، وعلى قوة تمسكه بدينه.[١١]
  • استشعار الساعي لفقره وذله وحاجته لله -تعالى-، في صلاح حاله، وتفريج كربه، ومغفرة ذنبه، وهدايته واستقامته على الطريق الصحيح، فيتحوّل إلى كمال وحسن الحال كما حصل لهاجر -عليها السلام-، التي انكشفت غمّتها، وانفرجت كُربتها، وآنست وحشتها بسعيّها بين الصفا والمروة؛ راجيةً داعيةً مقبلةً على الله -تعالى-، مضطرةً خائفةً على رضيعها من الهلاك.[١٢]
  • إقرار معنى حسن التوكل، وحسن الامتثال لأمر الله -تعالى-؛ وذلك اقتداءً بالنبي إبراهيم -عليه السلام-، فمن كان يُطيع الله -تعالى ويسلّم أمره إليه كنبيّه إبراهيم -عليه السلام-، فلن يُضيّع الله -تعالى دعاءه، أو يُخيب رجاءه.[١٣]

المراجع

  1. نجاح الحلبي، فقه العبادات على المذهب الحنفي، صفحة 189. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سورة البقرة، آية:158
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.
  4. كوكب عبيد، فقه العبادات على المذهب المالكي، صفحة 353-354. بتصرّف.
  5. درية العيطة، فقه العبادات على المذهب الشافعي، صفحة 243-244، جزء 2. بتصرّف.
  6. رواه البيهقي، في سنن البيهقي، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1648، صحيح.
  7. ^ أ ب سعاد زرزور، فقه العبادات على المذهب الحنبلي، صفحة 443. بتصرّف.
  8. صالح السدلان، رسالة في الفقه الميسر، صفحة 86. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1233، صحيح.
  10. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 199، جزء 2. بتصرّف.
  11. ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، صفحة 71، جزء 2. بتصرّف.
  12. ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 342، جزء 1. بتصرّف.
  13. محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، صفحة 343، جزء 5. بتصرّف.