ما هي مبطلات الحج؟
تعددت آراء الفقهاء في مبطلات الحجّ التي تُفسد النُسك، والتي يلزم بعدها القيام بعدد من الأمور لتجاوز هذا الإفساد؛ ويمكن أن نذكر المبطلات التي تحدّث فيها أهل العلم، وقالوا بإفسادها للحجّ على النحو الآتي:
الردّة
إذا ارتدّ المُحرم أثناء الحجّ، وقبل تمامه بطل حجّه؛ لأنّ المرتدّ يصير في حكم الكافر، والكافر لا يُقبل منه أداء العبادات، قال -تعالى-: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ...)؛[١] كما لا يصحّ منه الحجّ؛ حيث اشترط أهل العلم في وجوب الحجّ الإسلام، وهذا متعذّر في المرتد.[٢]
ترك ركناً من أركان الحجّ
من ترك ركناً من أركان الحجّ كالوقوف بعرفة؛ بالوقت والمكان المحددين، أو ترك الإحرام من الميقات ولم يرجع إليه، ونحو ذلك من الأركان، فإنّ حجّه باطلٌ؛ وقيل إن كان ذلك من غير مانع قاهر سُمّي فواتاً؛ لأنّ نُسك الحجّ قد فات دون تدارك، وإن كان بمانع قاهر سُمّي إحصاراً؛ أيّ حال بينه وبين إتمام النُسك حائل لا قدرة له عليه.[٣]
الجماع
يفسد حجّ المُحرم في حال الوطء الذي يكون قبل التّحلل الأول بالحجّ؛ ودليل ذلك قوله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ...)،[٤] وللعلماء في الجماع المفسد للحجّ تفصيل؛ نلخّصه بما يأتي:[٥]
- ذهب الحنفيّة إلى أنّ الحجّ يفسد بالجماع إذا كان قبل الوقوف بعرفة، فإذا وقع بعد ذلك لا يفسد الحجّ؛ لأنّ الحجّ عند الحنفيّة لا يمكن له الفساد بعد الوقوف بعرفة.
- لم يُفرّق الحنفيّة بين بطلان الحجّ بالجماع بين الناسي والعامد، والنائم والمستيقظ، والمختار والمُكره؛ وبين المرأة الراغبة أو غير الراغبة، سواء حصل إنزال، أو لم يحصل.
- ذهب المالكيّة إلى أنّ حجّ المرأة المطاوعة لزوجها بالجماع، الراغبة بذلك فاسدٌ أيضاً، ولا فرق بين الكبيرة والصغيرة في ذلك.
- لم يُفرّق المالكيّة في بطلان الحجّ بالجماع بين الناسي والذاكر والجاهل، وبين المُنزل بسبب الوطء، أو بسبب المباشرة -كالتقبيل ونحوه- بدون وطء؛ ففي هذه الأحوال جميعها يفسد الحجّ.
- ذهب المالكيّة إلى أنّ الجماع أو مقدماته بعد التحلل الأول لا تُفسد الحجّ إن وقعت، ولكن تلزمه الفدية.
- ذهب الشافعيّة إلى أنّ الحجّ يفسد بالجماع سواء أكان بالقبل أم بالدبر، بحائل أو بغير حائل، على أن يكون مختاراً، عامداً قاصداً، غير ناسٍ لذلك؛ فإن كان عكس ذلك لا يفسد الحجّ بالجماع.
- اشترط الشافعيّة لفساد الحجّ بالجماع أن يكون قبل التحلل الأول؛ والتحلل عندهم يكون بثلاثة أمور: رمي الجمار، والحلق، والطواف -الذي هو ركن-؛ فإن أتى بأمرين من ثلاثة فقد تحلّل، وإن جامع بعد ذلك لم يفسد الحجّ.
- ذهب الحنابلة إلى فساد الحجّ بالجماع سواء أكان بقبل أو بدبر، بآدميّ أو بغيره، بشرط أن يقع قبل التحلل الأول، فإن كان بعده لم يفسد الحجّ.
- اشترط الحنابلة في الجماع المفسد للحجّ الوطء، أمّا المقدمات والمباشرة دون الوطء لا تُفسد الحجّ.
الإغماء والجنون
ذهب بعض أهل العلم من الظاهريّة إلى أنّ الإغماء والجنون مبطلات لنُسك الحج؛ فمن أُغمي عليه، أو جُنّ قبل الزوال يوم عرفة فسد حجّه؛ سواء أكان واقفاً بعرفة أو غير واقف؛ وقد استدلّوا على ذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ...).[٦][٧]
وبناءً على هذا، فإنّ المجنون والمغمى عليه لا نيّة لهما؛[٧] فإنّ كان ذلك -الجنون والإغماء- بعد الوقوف بعرفة، وحضور شيء من الصلاة بمزدلفة، فإنّ الحجّ في مثل هذه الحالة لا يفسد؛ لأنّ الله -تعالى- رفع عن المجنون والمغمى عليه القلم حتى الإفاقة، فإن استيقظا عادا لما كانا عليه من تمام الحجّ.[٨]
ما يجب على إفساد الحجّ
ذهب الفقهاء إلى أنّ مفسد حجّه يعدّ آثماً، وتلزمه التوبة من ذلك، واشترط بعضهم إتمام الحجّ الفاسد إلى نهايته، ومن ثمّ قضائه في العام القادم على الفور، فإن تعذّر فإن القضاء يكون على الاستطاعة، وقد أفتى بذلك جمعٌ من الصحابة الكرام، كما يجب على مفسد الحجّ بالجماع فديّة مغلّظة؛ بذبح بدنة -الإبل-، مع تفريقها على فقراء الحرم.[٩]
المراجع
- ↑ سورة التوبة، آية:54
- ↑ محمد بن علي بن حزام البعداني، فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام، صفحة 215، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 78، جزء 17. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:197
- ↑ عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 606، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1، صحيح.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، موسوعة الفقه الإسلامي الأوقاف المصرية، صفحة 164، جزء 17. بتصرّف.
- ↑ ابن حزم، المحلى بالآثار، صفحة 204، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ سعيد بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 283-284. بتصرّف.