صيد المُحرم

حرّم الله -سبحانه- على المُحرم لأداء مناسك الحجّ والعمرة الصيد؛ وجعله من محظورات الإحرام التي تلزم معها الفديّة؛ وقد بيّن -جلّ وعلا- في كتابه العزيز أدلة تحريم هذا الأمر؛ في عدد من المواضع؛ نذكر منها:[١]

  • قوله -تعالى-: (... أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ...).[٢]
  • قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ...).[٣]
  • قوله -تعالى-: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا...).[٤]


كما أكدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا الأمر لمّا ردّ صيداً أُهدي إليه وهو مُحرم؛ فقال: (... إنَّا لا نَأْكُلُهُ إنَّا حُرُمٌ)؛[٥] وينبغي التنبيه إلى أنّ صيد المُحرم من داخل الحرمين المكيّ والمدنيّ أشد تحريماً، ونهياً؛[١] لأنّ المُحرم يكون قد ارتكب نوعين من المحظورات؛ الأول منها يتعلق بارتكاب محظور من محظورات الإحرام وهو الصيد، والثاني يتعلق بارتكاب محظور من محظورات الحرمين، ونبيّن فيما يأتي ما يترتب على هذا الصيد من أحكام.


أحكام صيد المُحرم

الصيد المُحرّم قتله للمُحرم

تعددت أقوال أهل العلم في ضابط الصيد المُحرّم قتله للمُحرم؛ فذهب الحنفيّة إلى القول بأنّه الحيوان البريّ الممتنع عن أخذه بقوائمه، أو جناحيه، المتوحش في أصل الخلقة، وذهب المالكيّة إلى القول بأنّه الحيوان البريّ المتوحش في أصل الخلقة، بينما ذهب الشافعيّة والحنابلة إلى القول بأنّه الحيوان البريّ المتوحش مأكول اللحم، وزاد الحنابلة بأن يكون غير مملوك، ولا مقدور عليه.[٦]


أمّا صيد البحر، فيجوز للمُحرم صيده وأكله والانتفاع به؛ لقوله -تعالى-: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا...)،[٤] وهذا بإجماع أهل العلم.[٧]


انتفاع المُحرم بالصيد الذي اصطاده

حرّمت الشريعة الإسلاميّة انتفاع المُحرم من الصيد الذي صاده؛ سواء أكان أكلاً، أو بيعاً أو انتفاعاً على أي شكل من الأشكال؛ أمّا عن جواز انتفاع غير المُحرم -الحلال أو المتحلل من الإحرام- بصيد المُحرم؛ فلقد تعددت آراء أهل العلم في ذلك؛ فمنهم من قال إنّ الانتفاع بالصيد لغير المُحرم لا يجوز؛ لأنّ هذا الصيد أصبح بحكم الميتة.[٨]


وقد استدلوا على ذلك بأدلة تحريم قتل الصيد التي أشرنا إليها سابقاً؛ على اعتبار أنّ النهي يدلّ على فساد المنهي عنه، وأنّ صيد المُحرم بهذا لا يعدّ ذكاة شرعيّة له، ومن أهل العلم من قال بجواز انتفاع غير المُحرم -الحلال- بصيد المُحرم؛ فالحرمة عندهم تقع على من وقع منه الفعل وهو المُحرم، وذلك تشديداً لوقوعه بما نُهي عنه، وبذلك لا تتعدى هذا الحرمة غيره من الآخرين غير المحرمين، وهذا ما رجّحه عدد من أهل العلم.[٨]


فدية قتل الصيد للمُحرم

يُخير المُحرم الذي وقع صيده فيما له مثل -كالأنعام- بين ثلاثة أمور؛ بأن يذبح مثل ما قتل ويُوزعه في الحرم، أو أن يُخرج قيمة ما ذبح بالمال، ثم يشتري به طعاماً يُطعم بها المساكين في الحرم؛ لكل واحد من المساكين نصف صاع من الطعام، أو أن يصوم عن طعام كل مسكين يوماً، أمّا إذا وقع صيده فيما ليس له مثل -كالعصافير أو الجراد أو نحوه-؛ فإنّه يُخرج قيمة ما قتل؛ ثم يُخير بين الإطعام أو الصيام.[٩]


وذلك لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ).[٣][٩]


على من تجب فدية قتل الصيد

ذهب عامة أهل العلم والجمهور إلى أنّ المُحرم إذا صاد عامداً قاصداً لذلك، مع علمه بحرمته، وتذكره لأمر إحرامه؛ فهو آثم تلزمه الفديّة؛ استدلالاً بقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ...)؛[٣] وبتحديد التعمّد في الآية الكريمة يخرج الناسي والمخطئ؛ فلا يقع عليهما الإثم لقوله -تعالى-: (... وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ...).[١٠][١١]


ولقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة إلى وجوب الفديّة أيضاً في حال الخطأ والنسيان؛ لأنّ الأدلة لم تفرّق بين العامد وغيره في لزوم الفدية؛ إنّما في وقوع الإثم فقط، وذهب بعض أهل العلم من الحنابلة، ومن وافقهم؛ إلى القول بعدم لزوم الفديّة على الناسي والمخطئ؛ لأنّ مفهوم الآية يدل بالعموم على أن غير المتعمد ليس كذلك في لزوم الفديّة، وبهذا قال بعض المتأخرين من أهل العلم.[١١]


تنبيهات تتعلق بصيد المُحرم

يجدر التنبيه في هذا المقام إلى عدّة أحكام وأمور تتعلق بصيد المُحرم، والتي يقع فيها عددٌ من الناس، ويلتبس عليهم بعض أحكامها؛ ومن ذلك ما يأتي:[١١]

  • اتفق العلماء على أنّ الصيد مُحرّم على المُحرم؛ سواء أكان داخل الحرم أو خارجه.
  • ليس على المُحرم في أكل الصيد إلا التوبة والاستغفار، وعدم العودة إلى ذلك.
  • تلزم الفديّة على المُحرم بكل صيد يقتله على قول الجمهور؛ أيّ إذا تكرر الصيد لزمت الفديّة مرة بعد مرة، وعن كل صيد.
  • إذا دلّ المُحرم شخصاً حلالاً على قتل صيد، أو أعانه عليه، فإنّه يلزمه الجزاء كاملاً؛ وهو قول الحنفيّة والحنابلة وبعض المتأخرين.
  • إذا دلّ المُحرم شخصاً محرماً آخر على قتل صيد، أو أعانه عليه، فإنّه يلزمهما الجزاء مناصفةً بينهما، وقال بعض العلماء على كل واحد منهما جزاءً، وقال بعضهم ليس على المحرم الدال إلا الاستغفار والتوبة.
  • إذا اشترك جمع من المُحرمين بقتل صيد، فباشروا بقتله كلّهم؛ فإن عليهم كلهم جزاء واحداً على رأي بعض أهل العلم، وقيل على كل واحد منهم جزاءً.
  • بيض كل طائر يُقدّر بحسب الطائر الذي أخذ منه.

المراجع

  1. ^ أ ب عبد الكريم اللاحم، المطلع على دقائق زاد المستقنع فقه القضاء والشهادات، صفحة 206-207، جزء 3. بتصرّف.
  2. سورة المائدة، آية:1
  3. ^ أ ب ت سورة المائدة، آية:95
  4. ^ أ ب سورة المائدة، آية:96
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1195، صحيح.
  6. عبد الرقيب الشامي، الكفارات أحكام وضوابط، صفحة 147. بتصرّف.
  7. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 163، جزء 2. بتصرّف.
  8. ^ أ ب عبد الله الطيار، توجيه وتنبيه إلى هواة الصيد ومحبيه، صفحة 52-53. بتصرّف.
  9. ^ أ ب محمد بن إبراهيم التويجري، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، صفحة 665. بتصرّف.
  10. سورة الأحزاب، آية:5
  11. ^ أ ب ت سعيد بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 287. بتصرّف.