محظورات الحرمين
إنّ لفظ الحرمين يُطلق على مكة المكرمة، والمدينة المنورة؛ ولم يأتِ إطلاق هذا اللفظ إلا عليهما؛ إذ لم يُسمِ الوحي حرمًا إلا مكة المكرمة والمدينة المنورة، ففي صحيح البخاري ثبت عن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ إبْراهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ ودَعا لَها، وحَرَّمْتُ المَدِينَةَ كما حَرَّمَ إبْراهِيمُ مَكَّةَ، ودَعَوْتُ لها في مُدِّها وصاعِها مِثْلَ ما دَعا إبْراهِيمُ -عليه السَّلامُ- لِمَكَّةَ).[١][٢]
ويُمنع في الحرمين القيام بعدد من المحظورات؛ سواء لمن كان يعيش فيهما، أو كان قادماً إليهما لأداء مناسك الحجّ والعمرة؛ وهذه المحظورات هي:[٢]
- صيد الطير وتنفيره، والإعانة عليه.
- قطع الأشجار والنباتات إلا بحاجة ضروريّة مُعتبرة.
- حمل السلاح والقتال.
- التقاط اللقطة -وهي اسم لكل مال ضائع لا يُعرف صاحبه-،[٣] في حرم مكة المكرمة لمن كان محرماً بالحجّ، أمّا المقيم فيها، فيجوز له التقاطها.
ويلزم على من فعل مثل هذه المحظورات في حرم مكة المكرمة، أو في حرم المدينة المنورة؛ التوبة إلى الله -تعالى-، والاستغفار؛ لأنّه أثم بذلك، وفي حال وقوع الصيد من قِبَل المُحرم،[٢] فإنه يلزمه الفداء بالمثل أو إخراج القيمة، أو صيام ثلاثة أيام بحسب ما قتل من الصيد،[٤] زيادة على التوبة والاستغفار؛ لأنّه وقع بإحدى محظورات الإحرام، وفي ذلك تفصيل لأهل العلم قد يطول شرحه في هذا المقام.
أدلة محظورات الحرمين
استدلّ العلماء على محظورات الحرمين بعدد من الأحاديث النبويّة الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن مكة المكرمة، وشأن المدينة المنورة؛ نذكر منها:[٥]
- قوله -صلى الله عليه وسلم- في فتح مكة المكرمة: (إنَّ هذا البَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَومَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضَ، فَهو حَرَامٌ بحُرْمَةِ اللَّهِ إلى يَومِ القِيَامَةِ، وإنَّه لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فيه لأحَدٍ قَبْلِي، ولَمْ يَحِلَّ لي إلَّا سَاعَةً مِن نَهَارٍ، فَهو حَرَامٌ بحُرْمَةِ اللَّهِ إلى يَومِ القِيَامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، ولَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، ولَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلَّا مَن عَرَّفَهَا، ولَا يُخْتَلَى خَلَاهُ فَقالَ العَبَّاسُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إلَّا الإذْخِرَ فإنَّه لِقَيْنِهِمْ ولِبُيُوتِهِمْ، قالَ: إلَّا الإذْخِرَ)؛[٦] والإذخر نوع من أنواع النباتات العشبيّة طيبة الرائحة.[٧]
- قوله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة النورة: (لاَ يُختَلي خلاَها ولاَ يُنفَّرُ صيدُها، ولاَ تُلتَقطُ لقطتُها إلاَّ لمن أشادَ بِها، ولاَ يصلحُ لرجلٍ أن يحملَ فيها السِّلاحَ لقتالٍ، ولاَ يصلحُ أن يقطعَ منْها شجرةٌ إلاَّ أن يعلِفَ رجلٌ بعيرَهُ).[٨]
حدود الحرمين
حدود الحرم المكيّ
يقع حدّ الحرم المكيّ من جهة المدينة المنورة على ثلاثة أميال؛ عند بيوت بني نفار أو السقيا، وتعرف الآن بمساجد أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، ومن جهة اليمن على سبعة أميال؛ طرف أضاة لبِن في ثنية لبن، ومن جهة العراق على سبعة أميال كذلك؛ "من مكة على ثنية جبل بالمنقطَع أو المقطع، ومن الطائف وبطن نمرة على طريق عرفات على سبعة أميال من مكة عند طرف عرفة، ومن طريق الجِعْرانة على تسعة أميال في شعب آل عبد الله بن خالد".[٩]
ومن جهة جدّة على عشرة أميال عند منقطع الأعشاش، ومن بطن عرنة أحد عشر ميلاً؛ ويُلاحظ أنّ الحرم المكيّ له حدود من الجهات كلّها، ومنصوب عليها الأنصاب، وبها لافتات تُوضحّ ذلك للناس.[٩]
حدود الحرم المدنيّ
يرى الجمهور أنّ حدود الحرم المدنيّ ما بين جبلي ثور وعير؛ لما ثبت في الحديث: (... المَدِينَةُ حَرَمٌ ما بيْنَ عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ...)؛[١٠] وجبل عائر أو عير هو جبل مشهور بقرب المدينة، أمّا جبل ثور فهو جبل صغير وراء أُحد من جهة الشمال، وقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حول المدينة اثني عشر ميلاً، وسورها الآن هو حدودها في زمنه -صلى الله عليه وسلم-.[١١]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن زيد، الصفحة أو الرقم:2129، صحيح.
- ^ أ ب ت كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 282-283، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ دبيان الدبيان، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 423، جزء 19. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 117، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ سعيد بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 273-277. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:3189 ، صحيح.
- ↑ عبد الرحمن بن قاسم، حاشية الروض المربع لابن قاسم، صفحة 79، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:2035، صححه الألباني.
- ^ أ ب وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2380-2381، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:1870، صحيح.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2395-2396، جزء 3. بتصرّف.