حكم الإحرام من البيت

السُّنّةُ أن يُحرم المسلم من الميقات الذي حدّده له النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يُحرم قبله، ومع ذلك إنْ أحرم في بيته قبل الميقات انعقد إحرامه بالإجماع، قال ابن المنذر -رحمه الله-: "أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ"،[١] ولكنّه يكون قد خالف السُّنة، وضيّق على نفسه، ورغم ذلك فإحرامه صحيحٌ ومنعقد، ويجب عليه أن يمتنع عن الأمور التي حُرّمت عليه بسبب الإحرام، وهي محظورات الإحرام.[٢]


ولا يُقال عمّن أحرم في بيته قبل الميقات أنّ إحرامه غير صحيحٍ أو فِعْله مُحرَّم، بل أقصى ما يُقال عنه أنّه خالف السنّة، أو أنّ فِعله مكروهٌ لأنه ترك السنّة والأفضل، لأنّ الله -تعالى- جعل الإحرام من الميقات حتى يكون ذلك أيسر على عباده، ولا تطول فترة إحرامهم، ومَن أحرم من البيت قبل الميقات بمدَّةٍ فهو يُضيّق على نفسه، ويزيد في فترة إحرامه وامتناعه عن المحظورات التي حُرّمت عليه بسبب الإحرام.[٣]


أمّا إذا كان المرْء لا يدري ما هو الميقات وأين مكانه تحديداً، وأحرم في منزله خشية أن يتجاوز الميقات لجهله بمكانه المُحدّد، فلا بأس ولا حرج عليه، لأنّه فعل الأحوط، كأنْ يخرج للسفر وهو مريدٌ للعمرة أو للحجّ لوحده دون مُرشدٍ وجماعةٍ تُعينه على معرفة المكان الذي يجب الإحرام منه،[٤] ومَن أراد أن يغتسل ويفعل سنن الإحرام في بيته ويؤخّر الإحرام ولبس ثيابه إلى الميقات فهو جائزٌ بلا حرج.[٥]


متى يُشرع الإحرام من البيت؟

الإحرام من البيت مشروعٌ للحاجّ المكّي ومَن في حكمه، والمكّي هو المقيم في مكّة سواءً كان مِن أهلها أم لا، فهؤلاء يُحرمون بالحجّ من منازلهم؛[٦] لأنّها تُعتبر ميقاتاً لهم، أمّا إذا أراد المكّي الإحرام للعمرة فلا يُشرع له الإحرام من منزله، بل يجب عليه الخروج لأدنى الحلّ كالتنعيم ليُحرم منه.[٧]


حكم الإحرام بالطائرة قبل الميقات

إنّ الإحرام من الميقات هو السنّة والأفضل؛ اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، ولكن من أراد السفر بالطائرة وكان بينه وبين الميقات مسافة جيّدة، ولكنّه أحرم قبل وصوله إليه خشية تجاوز الميقات، وخوفاً أن لا يُرشده أحدٌ أنّه صار بمحاذاته فلا بأس في ذلك، وإحرامه صحيحٌ ومنعقدٌ بالإجماع، فإن ضمن وجود مرشدين يُخبرونه بوقت الإحرام عند محاذاة الميقات فهو الأفضل، حتى لا يُخالف السنّة.[٨]


والمواقيت التي حدّدها النبي -صلى الله عليه وسلم- للإحرام هي: ذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام، ويلملم لأهل اليمن، وقرن لأهل نجد، وذات عرقٍ لأهل العراق، فالأصل أن يكون الإحرام منها لغير الحاج المكّي، ومَن تجاوزها دون إحرامٍ وجب عليه الرجوع إليها والإحرام منها، فإن لم يرجع إلى الميقات وأحرم بعده انعقد إحرامه ووجب عليه دم، وذلك بذبح شاة وتوزيعها على فقراء مكّة.[٩]


مع الإشارة إلى أنّ الإحرام في المفهوم الشّرعي لا يُقصد به لبس الإحرام، وإنّما نيّة الدّخول في النّسك،[١٠] وللتّوضيح فإنّ مَن لبس ملابس الإحرام دون عقد نيّته للنّسك لا يكون محرماً، ومن عقد نيّته للنّسك يكون مُحرماً حتى لو لم يلبس ملابس الإحرام، وإنما ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام.

المراجع

  1. ابن تيمية، شرح عمدة الفقه، صفحة 361، جزء 1. بتصرّف.
  2. أسامة سليمان، التعليق على العدة شرح العمدة، صفحة 4، جزء 40. بتصرّف.
  3. "ما حكم من أحرم بحجةٍ أو عمرةٍ قبل الميقات؟"، الموقع الرسمي للشيخ ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 30/5/2023. بتصرّف.
  4. "حكم الإحرام قبل الميقات وبعده"، الموقع الرسمي للشيخ ابن عثيمين، اطّلع عليه بتاريخ 30/5/2023. بتصرّف.
  5. "متى يلبس الذاهب إلى العمرة ثياب الإحرام؟"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 30/5/2023. بتصرّف.
  6. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 69، جزء 14. بتصرّف.
  7. "مكان إحرام أهل مكة بالعمرة والحج"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 30/5/2023. بتصرّف.
  8. أحمد حطيبة، شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة، صفحة 6، جزء 3. بتصرّف.
  9. ابن رشد الحفيد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، صفحة 89، جزء 2. بتصرّف.
  10. فريق الموقع، "تعريفُ الإحرامِ، وحُكْمُه، والحِكْمَةُ منه"، الدرر السنية الموسوعة الفقهية، اطّلع عليه بتاريخ 8/6/2023. بتصرّف.