حكم السفر للعمرة بدون محرم

تعدّدت أقوال الفقهاء في حكم سفر المرأة لأداء مناسك العمرة من غير محرم؛ وذلك لتعدد الأحاديث النبويّة الثابتة في ذلك؛ والتي قد تختلف الأفهام في دلالاتها وما فيها من أحكام، ويمكن تلخيص حكم المسألة بما يأتي:


الجواز

ذهب المالكيّة والشافعيّة والظاهريّة، ورواية عند الإمام أحمد إلى جواز سفر المرأة من غير محرم لأداء فريضة الحجّ، أو العمرة الواجبة؛[١] ويُكتفى بالرفقة المأمونة أو النسوة الثقات لهذا السفر، مع التأكيد أنّ ذلك عندهم فقط في الفريضة، أمّا بالنافلة والتطوع فلا يجوز عندهم، وقد استدلّوا على ذلك بعدد من الأدلة المُعتبرة؛ نذكرها على النحو الآتي:[٢]

  • قوله -تعالى-: (... وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا...)؛[٣] وحجّتهم في ذلك أنّ الآية الكريمة مُخصِّصة لعموم النّهي الوارد في بعض الأحاديث النبويّة.
  • قوله -صلى الله عليه وسلم- لأحد الصحابة الكرام: (... فإنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ -وهي المَرأةُ في الهَودَجِ- تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حتَّى تَطُوفَ بالكَعْبَةِ، لا تَخَافُ أحَدًا إلَّا اللَّهَ...)؛[٤] وهذا الحديث يقويّ الاستدلال بجواز سفر المرأة من غير محرم، تقصد بيت الله الحرام لحجٍ أو عمرة.
  • أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- فسّر الاستطاعة الواردة في الآية الكريمة بالزاد، والراحلة، ولم يشترط المحرم.
  • إفتاء بعض الصحابة الكرام بجواز سفر المرأة للحج والعمرة دون محرم؛ منهم ابن عباس والزبير وأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-.
  • إذن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحجّ من غير محرم، وقد أرسل معهنّ رفقة مأمونة تمثلت في عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان -رضي الله عنهم-، ولم يعترض أو يُخالف أحد من الصحابة الكرام على ذلك.[٥]
  • قول بعض الفقهاء بأنّ القاضي يجوز له أن يستدعي المرأة التي يجب في حقّ شيء للمثول أمام القضاء؛ فإذا جاز لها ذلك جاز سفرها من غير محرم؛ لأنّ واجب الحج والعمرة آكد وأوجب.


عدم الجواز

ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى القول بعدم جواز سفر المرأة إلى الحج والعمرة بدون محرم؛[١] سواء أكان ذلك لأداء الفريضة أو للتطوع والنافلة؛ وقد استدلوا بصريح النصوص الشرعيّة والتي نبيّنها كما يأتي:[٦]

  • ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (لا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ، ولَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إلَّا ومعهَا مَحْرَمٌ، قالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أنْ أخْرُجَ في جَيْشِ كَذَا وكَذَا، وامْرَأَتي تُرِيدُ الحَجَّ، فَقالَ: اخْرُجْ معهَا)؛[٧] ففي هذا الحديث تصريح بالنهي عن سفر المرأة من غير محرم، ويدخل الحجّ في عموم هذا النهي؛ لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- طلب من هذا الرجل الّلحاق بزوجته للحجّ.
  • قوله -صلى الله عليه وسلم-: (... لا تَحُجَّنَّ امرأةٌ إلا ومعها ذو مَحْرَمٍ).[٨]
  • قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ أنْ تُسافِرَ مَسِيرَةَ يَومٍ ولَيْلَةٍ ليسَ معها حُرْمَةٌ)،[٩] وفي رواية أخرى: (لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ أن تسافرَ سفرًا فوقَ ثلاثةِ أيَّامٍ فصاعدًا، إلَّا ومعَها أبوها أو أخوها أو زوجُها أوِ ابنُها أو ذو محرَمٍ منْها).[١٠]


وقد اعترض القائلون بالجواز على هذه الأدلة بأنّ النّهي الوارد في عموم السفر، لا بالحجّ والعمرة؛ وقالوا إنّ المرأة يجوز لها الهجرة إلى دار الإسلام من دار الكفر من غير محرم؛ فالأولى القول بجواز سفرها للحج والعمرة من غير محرم؛[١١] فأجاب المانعون أنّ المسلمة المهاجرة لا تُنشأ بهجرتها سفراً؛ إنّما تقصد بذلك النّجاة خوفاً على نفسها.[١٢]


وقد أفتى بعض المتأخرين بأن مناط الحكم يدور حول أمن الفتنة وأمن الطريق؛ فلو سافرت المرأة من غير محرم لحجٍّ أو لغيره مع أمن الطريق من غير محرم جاز لها ذلك، وسواء أكان مسيرة يوم وليلة أم أكثر من ذلك.[١٣]


شروط المحرم في السفر

اشترط الفقهاء في المحرم أن يكون بالغاً عاقلاً؛ يُحرم نكاحه للمرأة على التأبيد بسبب مباح؛ أي بسبب رضاع أو نسب، ويُخرج من ذلك الزوج المُحرّم على زوجته بسبب الملاعنة؛ ويخرج منه أيضاً زوج الأخ وزوج العمّة أو الخالة؛ فيكون المُحرم أخاً أو أباً أو زوجاً، أو نحو ذلك؛ ممن يُعرف بالصلاح، ويُأمن منه الفتنة.[١٤]

المراجع

  1. ^ أ ب فضيلة المفتي الدكتور أحمد غالب الخطيب (7/5/2023)، "حج المرأة بغير مَحْرَم أو زوج"، دائرة الإفتاء الأردنية. بتصرّف.
  2. الشافعي، الأم، صفحة 127-128، جزء 2. بتصرّف.
  3. سورة آل عمران، آية:97
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عدي بن حاتم الطائي، الصفحة أو الرقم:3595، صحيح.
  5. فضيلة المفتي الدكتور أحمد غالب الخطيب (26/9/2011)، "حج المرأة بغير مَحْرَم أو زوج"، دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 12/3/2023. بتصرّف.
  6. مجموعة من المؤلفين، فتاوى دار الإفتاء المصرية، صفحة 183، جزء 1. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1862، صحيح.
  8. رواه الدارقطني، في سنن الدارقطني، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:222، قال الألباني رجاله ثقات.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1088، صحيح.
  10. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:1726، صححه الألباني.
  11. شحاتة صقر، الاختلاط بين الرجال والنساء، صفحة 447، جزء 2. بتصرّف.
  12. السغناقي، النهاية في شرح الهداية، صفحة 23، جزء 6. بتصرّف.
  13. محمد حسن عبد الغفار، مخالفات تقع فيها بعض النساء، صفحة 8، جزء 5. بتصرّف.
  14. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2093، جزء 3. بتصرّف.