العمرة عبادةٌ عظيمةٌ وطاعةٌ جليلةٌ يتقرّب بها المسم من ربّه رجاء مغفرة ذنوبه وعتقه من النار ونيله المزيد من الأجور والحسنات، أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ)،[١] وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ، فإنَّهُما ينفيانِ الفقرَ والذُّنوبَ، كما ينفِي الكيرُ خبثَ الحديدِ)،[٢] وغير ما سبق من الأحاديث التي تدلّ على فضل العُمرة وتبيّن فضلها وأجرها.[٣]


شرح كيف تؤدي مناسك العمرة

الإحرام

الإحرام هو: نيّة الدخول في أعمال ونُسك العُمرة، أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-: (يا أيُّها النَّاسُ، إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّةِ، وإنَّما لِامْرِئٍ ما نَوَى)،[٤] فلا يصحّ العمل ولا يُقبل إلّا بالنيّة، والنيّة في العمرة تتمثّل بالإحرام، فلا تصحّ العُمرة إلّا بالإحرام، وتُسنّ قبله عدّة أمورٍ: الاغتسال والتطيّب وصلاة ركعتَين والتلبية،[٥] ويُحرم المعتمر من المواقيت المكانية المحدّدة له التي بيّنها النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وهي: ذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وذات عرق، وقرن المنازل.[٦]


الطواف بالكعبة

يطوف المُعتمر بالكعبة سبعة أشواطٍ بعد الإحرام، والطواف أول عمبٍ يبدأ به المعتمر عند دخول بيت الله الحرام، قال الله -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)،[٧] ويشترط لصحّة الطواف: النيّة في القلب بعقد القصد والإرادة على الطواف تعبّداً لله -تعالى-، والطهارة من الحدث الأكبر والحيض والنفاس والجنابة، وستر العورة، وأن يكون الطواف حول الكعبة كلّها، وجعل الكعبة إلى اليسار، والبدء بالطواف من الحجر الأسود، وأداء الطواف سبعة أشواطٍ كاملةٍ، والموالاة والمتابعة بين كلّ شوطٍ وآخرٍ، ويُسنّ قبل الطواف: الوضوء، وإسراع الرجل في المشي في الأشواط الثلاثة الأولى، والتكبير واستلام الحجر الأسود وتقبيله في كلّ شوطٍ إن تيسّر ذلك.[٨]


السعي بين الصفا والمروة

السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواطٍ مع الدعاء ركنٌ من أركان العمرة التي لا تصحّ دون الإتيان به، ويؤدّى السعي مرةً واحدةً في نُسك العُمرة ولا يُشرع تكراره كالطواف بالكعبة، ويشترط لصحة السعي: أن يؤدّى بعد الطواف بالبيت، وأن يؤدّى سبعة أشواطٍ بين الصفا والمروة متواليةً متتابعةً دون قطعٍ في المسعى المحدّد، والبدء بالصفا والختم بالمروة، ويُسنّ في السعي: الطهارة، واستلام الحجر الأسود قبل الخروج للسعي، وقراءة قول الله -تعالى- عند الاقتراب من الصفا: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ...)،[٩] واستقبال القبلة عند الوقوف عى الصفا والمروة للذكر والدعاء مراتٍ ومراتٍ، والإسراع في المشي بين العلَمَين الأخضرين للرجل.[٨]


وتجدر الإشارة إلى أنّ الطهارة ليست شرطاً للسعي بين الصفا والمروة، فيصحّ من غير طهارةٍ، ويصحّ أيضاً من الحائض والنفساء، إلّا أنّ الأولى منهما تركه إلى حين الطهارة وأداؤه عند التطهّر من الحيض والنفاس، يستدلّ على ما سبق بما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّها قالت: (قَدِمْتُ مَكَّةَ وأَنَا حَائِضٌ، ولَمْ أَطُفْ بالبَيْتِ ولَا بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ قالَتْ: فَشَكَوْتُ ذلكَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: افْعَلِي كما يَفْعَلُ الحَاجُّ غيرَ أَنْ لا تَطُوفي بالبَيْتِ حتَّى تَطْهُرِي)،[١٠] فيصحّ السعي بين الصفا والمروة دون طهارةٍ والأولى التطهّر له.[١١]


التحلّل بالحلق أو التقصير

الحلق أو التقصير واجبٌ من واجبات العُمرة، قال الله -عزّ وجلّ-: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّـهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)،[١٢] وأخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (حَلَقَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وطَائِفَةٌ مِن أصْحَابِهِ وقَصَّرَ بَعْضُهُمْ)،[١٣] وشرع الله -تعالى- الحلق أو التقصير بعد إتمام أعمال العمرة ليحلّله ما كان محظوراً عليه وقت إحرامه بالعمرة، وقال الله -تعالى- في فضل الحلق والتقصير: (لَّقَدْ صَدَقَ اللَّـهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)،[١٤] وأخرج أيضاً الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قالَ: وَلِلْمُقَصِّرِينَ).[١٥][٨]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1773، صحيح.
  2. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2629، صحيح.
  3. د. أمين بن عبدالله الشقاوي، "فضل العمرة وصفتها"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 7/3/2022. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:6953، صحيح.
  5. مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 81-88. بتصرّف.
  6. فريق الموقع، "المواقيت الزمانية والمكانية"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 7/3/2022. بتصرّف.
  7. سورة البقرة، آية:125
  8. ^ أ ب ت محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 285-297. بتصرّف.
  9. سورة البقرة، آية:158
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1650، صحيح.
  11. محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 285-300.
  12. سورة البقرة، آية:196
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1729، صحيح.
  14. سورة الفتح، آية:27
  15. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1302، صحيح.