الشروط العامة لصحّة العمرة

بحث أهل العلم في الأمور اللازم توافرها وتحققها للحكم بصحّة العمرة، وهذه الأمور منها ما هو عامٌ يشمل النساء والرجال على حدٍ سواء، ومنها ما يختصّ بالنساء دون الرجال، ونبتدأ بالشروط العامة لصحّة العمرة والحجّ -من النساء أو الرجال- على النحو الآتي:[١]


  • الإسلام

لا يصحّ من كان كافراً -وبقي على كفره- أداء المناسك الخاصّة بشعائر الإسلام، بدليل قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا...).[٢]


ومن السنة ما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (بَعَثَنِي أبو بَكْرٍ في تِلكَ الحَجَّةِ في مُؤَذِّنِينَ يَومَ النَّحْرِ، نُؤَذِّنُ بمِنًى: أنْ لا يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، ولَا يَطُوفَ بالبَيْتِ عُرْيَانٌ... ثُمَّ أرْدَفَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عَلِيًّا، فأمَرَهُ أنْ يُؤَذِّنَ ببَرَاءَةٌ، قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: فأذَّنَ معنَا عَلِيٌّ في أهْلِ مِنًى يَومَ النَّحْرِ: لا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، ولَا يَطُوفُ بالبَيْتِ عُرْيَانٌ).[٣]


  • العقل

لا تجب العمرة أو الحجّ على فاقد العقل كالمجنون حتى يفيق قياساً على سائر العبادات، لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في رفع التكليف عن بعض أصناف الناس من أصحاب الأعذار، وقد ذكر منهم المجنون فقال -عليه السلام-: (رُفِعَ القلَمُ عن ثلاثةٍ: عن المجنونِ المغلوبِ على عَقْلِهِ حتَّى يُفِيقَ، وعن النائمِ حتَّى يستيقِظَ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يحتلِمَ...).[٤]


  • البلوغ

بيّن الحديث السابق الذي أشرنا إليه في اشتراط العقل أنّ الصبي الذي لم يبلغ -لم يحتلم- لا يجب عليه الحجّ أو العمرة، مع صحّة النُسُك منه إذا فعله، ولكنّه لا يجزئه حتى يبلغ؛ بدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أيّما صبيٍّ حجَّ، ثم بلغ الحِنْثَ، فعليه أن يحجَّ حجَّةً أخرى...).[٥]


  • الحرية

لا يجب على العبد المملوك الحجّ أو العمرة إلا إذا أعتقه سيّده، وبلغ تمام الحريّة، ففي تتمة الحديث السابق -المشار إليه في شرط البلوغ- يقول -صلى الله عليه وسلم-: (... أيما عبدٍ حجَّ ثم أُعتِقَ، فعليه أن يحُجَّ حجَّةً أُخرى)،[٥] ولعلّ هذا الشرط متحقق في كثير من الناس اليوم، لغياب العتق الذي كان منتشراً في ذلك الزمان.


  • الاستطاعة

قال -سبحانه-: (... وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا...)،[٦] وقد فسّر العلماء الاستطاعة بملك الزاد ووسيلة الركوب، وهذه الاستطاعة الماليّة التي يجب أن تتضمن توفّر المال الكافي لأداء النُسُك، واشترط بعض أهل العلم الصحّة والقوة البدنيّة.


الشروط الخاصّة المتعلّقة بالنساء

خصّ أهل العلم المرأة بشرطين اثنين يجب تحققهما لصحّة أداء نُسُكها بالعمرة أو الحجّ، وأحد هذه الشروط اتفق عليه العلماء، والثاني منها تعددت الآراء فيه، ويمكن توضيح ذلك بالآتي:[٧]


  • وجود المحرّم الأمين

اشترط الحنفيّة والحنابلة وجود زوج المرأة أو محرم أمين معها في سفرها لأداء النُسُك، إذا بلغت المسافة بين بلد هذه المرأة وبين مكة المكرمة مسافة القصر؛ وهي تقدّر بمسيرة ثلاثة أيام، مستدلين بالحديث الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ ثَلَاثًا، إلَّا وَمعهَا ذُو مَحْرَمٍ).[٨]


بينما ذهب المالكيّة والشافعيّة إلى جواز خروج المرأة من غير محرم لأداء النُسُك الواجب، فرأى الشافعيّة أنّ للمرأة الذهاب لأداء النُسُك مع الرفقة من النسوة الثقات، والتي تقدّر بامرأتين فأكثر، وقيل تكفي امرأة واحدة موثوقة، تأمن معها المرأة -التي تريد النُسُك- على نفسها، بينما رأى المالكيّة أنّ الرفقة المأمونة تكون بجماعة من الصالحين من النساء والرجال، بشرط أن تكون المرأة هي أيضاً مأمونة على نفسها.


  • عدم وجود العدّة

يُشترط لخروج المرأة لأداء النُسُك أن لا تكون معتدة من وفاة أو طلاق، وهذا باتفاق العلماء، مستدلين بقوله -تعالى- في نهي المعتدات من الخروج من بيوتهنّ: (... لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ...)،[٩] إذ إنّ الحج أو العمرة يمكن أداؤهما بعد انتهاء العدّة في التوقيت الزمانيّ الذي حدده الشرع، فلا يلزمها الخروج بالعدّة لأداء النُسُك.


وقد توسّع الحنفيّة والمالكيّة في هذا الشرط، فقالوا بوجوب الخلو من العدّة سواء للمعتدّة من طلاق رجعيّ أو بائن بينونة صغرى، أو فسخ نكاح؛ فكلّ ذلك سواء عندهم، فإن حجّت المرأة أو اعتمرت وهي بالعدّة صحّ نُسكها وكانت آثمة.[١٠]

المراجع

  1. سعيد بن وهف القحطاني، الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 94-97. بتصرّف.
  2. سورة التوبة، آية:28
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:369، صحيح.
  4. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:4401، سكت عنه فهو صالح وقال الألباني صحيح.
  5. ^ أ ب رواه الضيا المقدسي، في الأحاديث المختارة، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:537، أورده في المختارة وقال هذه أحاديث اختترتها مما ليس في البخاري ومسلم.
  6. سورة آل عمران، آية:97
  7. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفهية الكويتية، صفحة 35-38، جزء 17. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1338، صحيح.
  9. سورة الطلاق، آية:1
  10. عبد الله الطيار، وبل الغمامة في شرح عمدة الفقه لابن قدامة، صفحة 31-32، جزء 3. بتصرّف.