وضعت الشّريعة الإسلاميّة ضوابطًا لصحة أداء العبادات وكمالها، وتتمثّل هذه الضّوابط بأشياءَ كثيرة، منها: الأركان، والشّروط، والواجبات، فالواجبات تمثّل جانبًا من جوانب صحّة العبادة، وعليها تقاس العبادة بالصّحة والبطلان، أو بالنّقص والكمال، كما أنّ العبادة تقاس على فعل الأركان، واكتمال الشروط، والواجب عند الفقهاء: "ما ذُمّ تاركه شرعًا مطلقًا"،[١]، فتارك الواجب قصدًا آثم، لا تصحّ عبادته، أما من ترك الواجب سهواً، أو كان ناسياً فإنَّ الشّريعة الإسلاميّة جعلت له مخرجاً يستدرك ما فاته من الواجبات، كسجود السّهو لمن ترك واجباً من واجبات الصّلاة ناسياً، فمن ترك واجباً من واجبات العمرة، فإمّا أن يكون عليه دم، وهو ذبح شاة والتّصدق بها؛ لتصحّ عمرته،[٢] أو أنّه يطالب بفعل الواجب وإن طال وقته، وسيأتي بيان ذلك في هذا المقال.


عدد واجبات العمرة

عدد واجبات العمرة عند جمهور الفقهاء اثنان، وهما:[٣]


الإحرام من الميقات

حيث يجب على المسلم أن يحرم للعمرة من الميقات المكاني الذي حدّده الشارع، ويعد الإحرام من الميقات واجب عند الحنفية،[٤] والشافعية، والحنابلة، وركن عند المالكية،[٥] والمواقيت المكانية هي خمسة مواقيت لمن يقيم خارج مكة المكرمة، ودليل هذه المواقيت الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه الذي رواه الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (وَقَّتَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأهْلِ المَدِينَةِ ذا الحُلَيْفَةِ، ولِأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ، ولِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنازِلِ، ولِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لهنَّ، ولِمَن أتَى عليهنَّ مِن غيرِ أهْلِهِنَّ لِمَن كانَ يُرِيدُ الحَجَّ والعُمْرَةَ)،[٦] وهي:[٧]

  • ذو الحليفة (آبار علي): وهو ميقات أهل المدينة.
  • الجحفة: وهو ميقات أهل الشّام.
  • قرن المنازل: وهو ميقات أهل نجد.
  • يلملم: وهو ميقات أهل اليمن.
  • ذات عرق: وهو ميقات أهل العراق.

وأما بالنسبة للمقيم في مكة المكرمة فإنه يحرم للعمرة من الحّل؛ أي من المناطق التي تكون خارج حدود الحرم من جميع الجهات؛ مثل منطقة التنعيم، ومنطقة الجعرانة، وغير ذلك،[٨] ودليل ذلك ما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، أذن لها أن تحرم من منطقة التنعيم عندما أرادت أن تعتمر، وكانت في مكة المكرمة، فأخذت حكم أهلها، فقالت: (يا رَسولَ اللَّهِ، اعْتَمَرْتُمْ ولَمْ أعْتَمِرْ، فَقالَ: يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، اذْهَبْ بأُخْتِكَ، فأعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، فأحْقَبَهَا علَى نَاقَةٍ فَاعْتَمَرَتْ).[٩]


الحلق أو التقصير

وهو واجب من واجبات العمرة عند الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وركن من أركانها عند الشافعية، والقدر الواجب في الحلق أو التقصير عند المالكية والحنابلة حلق جميع شعر الرأس أو تقصيره كلّه، وربع الرّأس على الأقل عند الحنفيّة، وثلاث شعرات على الأقل عند الشافعية،[١٠] والحلق للرجال أفضل من التقصير، أما المرأة فالسنة لها أن تقصّر من شعرها، حيث قال تعالى: (لَّقَدْ صَدَقَ اللَّـهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ).[١١]


ومما ينبغي الإشارة إليه ما يلي:

  • أن الحنفية قد أضافوا واجباً ثالثاً لواجبات العمرة، وهو السعي بين الصفا والمروة، حيث اعتبروه واجباً وليس ركناً، خلافاً للفقهاء الثلاثة، حيث اعتبروا السعي من أركان العمرة.
  • أن من ترك واجب الإحرام يلزمه ذبح شاة، ويتصدّق بها على فقراء الحرم، ومن ترك واجب الحلق أو التقصير لا يلزمه الذبح، وإنما عليه الإتيان به حتى لو كان في بلده، ولكن إن فعل محظوراً من محظورات الإحرام، متعمّداً قبل الحلق أو التّقصير، فعليه فدية من صيام، أو صدقة، أو نسك، والنسك هو الذبح.[١٢]


المراجع

  1. عبد الكريم النملة، المهذَّب في علم أصول الفقه المقارن، صفحة 147. بتصرّف.
  2. علي سليمان المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، صفحة 296. بتصرّف.
  3. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 2244. بتصرّف.
  4. نجاح الحلبي، فقه العبادات على المذهب الحنفي، صفحة 200. بتصرّف.
  5. كوكب عبيد، فقه العبادات على المذهب المالكي، صفحة 362. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1526، صحيح.
  7. إيمان القثامي (24/5/2014)، "المواقيت المكانية"، الألوكة ، اطّلع عليه بتاريخ 12/12/2021.
  8. سعيد بن وهف القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 182-183. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1518، صحيح.
  10. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 323. بتصرّف.
  11. سورة الفتح، آية:27
  12. غير موجود (16/11/2011)، "ما يلزم من ترك واجبا من واجبات العمرة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 12/12/2021. بتصرّف.