صفة وكيفية السعي بين الصفا والمروة

ينقسم الحديث عن صفة السعي بين الصفا والمروة إلى قسمين، أحدهما ما يُشترط في السعي حتى يصحّ، والآخر ما يُسنّ فعله في السعي، والأكمل هو الإتيان بكافة السنن مع الشروط اقتداءً بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- وتحصيلاً للأجر والثواب العظيم، وسيتمّ بيان شروط وسنن السعي فيما يأتي:


شروط السعي

السعي شرعاً هو قطع المسافة بين الصفا والمروة كاملةً سبع مرات في مناسك الحجّ أو العمرة، وشروط السعي بين الصفا والمروة هي:[١]

  • استيعاب ما بين الصفا والمروة

اتّفق الفقهاء على اشتراط استيعاب جميع المسافة بين الصفا والمروة في كلّ شوطٍ من الأشواط حتى يصحّ السعي، فمن لم يقطع كل المسافة لم يصحّ سعيه؛ لأن الشرع حدّدها بمسافةٍ معيّنة، لِذا فإنّ إنقاصها عن حدّها المعيّن يُبطل الشوط، ولقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ...).[٢]


  • الترتيب

أي أن يبدأ المسلم من الصفا وينتهي عند المروة، فمَن بدأ من المروة إلى الصفا فلا يصحّ شوطه ويُلغى، وهذا باتّفاق الفقهاء، بدليل ما ثبت عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ لما دنا من الصفا قال: ((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)،[٣] أَبْدَأُ بما بَدَأَ اللهُ به، فَبَدَأَ بالصَّفَا، فَرَقِيَ عليه،... ثُمَّ نَزَلَ إلى المَرْوَةِ...).[٤]


  • أن يكون السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط

وهذا شرطٌ أساسيٌ في صحة السعي، ويعدّ الذهاب من الصفا إلى المروة شوطاً، والرجوع من المروة والصفا شوطٌ آخر، بدليل قول عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- عن فعل النبي الكريم: (... فَطَافَ بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ سَبْعًا...).[٥]


  • وقوعه بعد طواف

اتّفق الفقهاء على اشتراط وقوع السعي بين الصفا والمروة بعد طواف، ولكنّ الموالاة بين الطواف والسعي غير واجبة، بل هي مستحبَّةٌ عند جمهور الفقهاء.


  • الموالاة بين أشواط السعي

وهو أمرٌ قد تعدّدت فيه آراء الفقهاء، فذهب الحنفية والشافعية إلى عدم اشتراط الموالاة بين أشواط السعي، وذهب المالكية والحنابلة إلى اشتراطه.


سنن السعي

هناك عدّة سُننٍ يُستحبّ الإتيان بها في السعي، وهي:[٦]

  • الطهارة.
  • استلام الركن قبل الخروج للسعي بين الصفا والمروة.
  • عند الاقتراب من الصفا يُستحب قراءة قول الله -تعالى-: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)،[٧] ثمّ يقول: (أَبْدَأُ بما بَدَأَ اللهُ به).[٤]
  • استقبال الكعبة عند الارتقاء على الصفا، ثمّ يكبّر المسلم ويوحّد الله ويقول: (لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهو علَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ)،[٤] ثمّ يدعو بما شاء، ويفعل ذلك ثلاث مرات.
  • الإسراع بالمشي بين العلمين الأخضرين، وهذا خاصٌ بالرّجال.
  • الإكثار من الدعاء بين الصفا والمروة.
  • أن يفعل المسلم على المروة كما فعل على الصفا.


حكم السعي بين الصفا والمروة

فصّل الفقهاء في حكم السعي بين الصفا والمروة وما يترتّب على تركه، وبيان أقوالهم فيما يأتي:[٨]

  • جمهور الفقهاء

قالوا إن السعي بين الصفا والمروة ركنٌ من أركان الحجّ والعمرة، فمن تركه لم تصحّ عمرته أو حجّه، فقد سأل عروة بن الزبير -رضي الله عنه- عائشة -رضي الله عنها- فقال: (قُلتُ لِعَائِشَةَ: ما أَرَى عَلَيَّ جُنَاحًا أَنْ لا أَتَطَوَّفَ بيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قالَتْ: لِمَ؟ قُلتُ: لأنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يقولُ: (إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ الله)...).


وتُكمل السيدة عائشة فتقول: (... فَلَمَّا قَدِمُوا مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِلْحَجِّ، ذَكَرُوا ذلكَ له، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذِه الآيَةَ، فَلَعَمْرِي، ما أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ مَن لَمْ يَطُفْ بيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ).[٩]


  • الحنفية

قالوا إنّ السعي بين الصفا والمروة واجبٌ من واجبات الحجّ والعمرة، ومن تركه وجب عليه الدّم، ودليل أنّه واجبٌ لا ركنٌ قول الله -تعالى-: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا...)،[٧] وهذا غير قاطعٍ في الركنية التي لا يتمّ الحجّ إلا بها، وإنّما يدلّ على الوجوب.

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 198-209، جزء 2. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1297، صحيح.
  3. سورة البقرة، آية:158
  4. ^ أ ب ت رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1645، صحيح.
  6. كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 239، جزء 2. بتصرّف.
  7. ^ أ ب سورة البقرة، آية:158
  8. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 55، جزء 4. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1277، صحيح.