صيام عشرة أيام في الحج

اتفق العلماء على أنّ من وجب عليه الهدي في الحجّ -هدي الشكران لا الجبران- لكنّه لم يجده، أو كان فقيراً لا يستطيع شراءه، أو كان معه ثمن لا يكفي لشرائه أو نحو ذلك من الأسباب، فإنّ العوض عن هذا الذبح يكون بصيام عشرة أيام؛ ثلاثة في الحجّ، وسبعة إذا رجع إلى أهله؛ والدليل على ذلك قوله -تعالى-: (... فمن تمتَّعَ بالعُمْرةِ إلى الحجِّ فما اسْتيْسَرَ من الهَدْي فمن لم يجدْ فصيامُ ثلاثةِ أيامٍ في الحجِ وسبعةٍ إذا رَجَعْتم تلك عَشَرَةٌ كاملةٌ ذلك لمن لم يكن أَهلُهُ حاضِري المسجدِ الحرامِ...).[١][٢]


ولما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في حجّة الوداع: (... فمَن لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ في الحَجِّ وسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلى أهْلِهِ...).[٣][٢] ويمكن بيان آراء أهل العلم في تقسيم صيام هذه العشر على النحو الآتي:


صيام الأيام الثلاثة

ذهب أهل العلم إلى أنّ صيام الأيام الثلاثة يكون في الحجّ، أيّ حال الإحرام به وقبل التحلل منه، فقالوا إنّ صيامها يكون في الأيام التي تسبق يوم العيد، فإن فاتته صامها في أيام التشريق؛[٤] استدلالاً بحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (لَمْ يُرَخَّصْ في أيَّامِ التَّشْرِيقِ أنْ يُصَمْنَ، إلَّا لِمَن لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ)،[٥][٦] فإنّ كان الحاجّ مريضاً أو لا يقوى على صيامها في الحجّ جاز له أن يضمّها مع السبع، فيصومها كلّها إذا رجع إلى أهله.[٤]


والأفضل أن يُحرم للحجّ ويصومها قبل يوم عرفة؛ أيّ أن يصوم اليوم السادس، والسابع، والثامن من ذي الحجّة،[٤] وقيل الأفضل صيام عرفة مع يومين قبله، وكره بعض أهل العلم صيام عرفة للحاجّ اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وتقوياً على العبادة والدعاء في هذا اليوم المبارك.[٧]


صيام الأيام السبعة

إذا رجع الحاجّ إلى أهله صام الأيام السبعة الباقية عليه من العشرة، وهذا هو وقت الاختيار، وأجاز الإمام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام أحمد صيام هذه الأيام السبع في الحجّ قبل الرجوع إلى الأهل، وبعد مضيّ أيام التشريق، وهو أحد أقوال الإمام الشافعيّ، وقالوا إنّ كل صيام لزم ووجب على الحاجّ، وجاز له تأخيره إلى حين الرجوع إلى وطنه، جاز له تقديمه قبل ذلك.[٨]


وقد حمل الجمهور الآية الكريمة التي تدلّ على صيام الأيام السبعة عند الرجوع للأهل على أنّها رخصة من الله -تعالى-، ليكون أهون وأسهل في حقّه؛ ولكنّ هذا لا يمنع من صيامه في مكة المكرمة أو في الطريق، فمتى وجد السبب وهو الصيام لعدم وجود الهدي في وقته، جاز البدء بالبدل، وقاسوا ذلك على رخصة المسافر الذي يجوز له الفطر في السفر، وتأخير الصيام إلى انتهاء العذر، ولا يعني ذلك عدم جواز صيام المسافر أثناء سفره، أو عدم جواز تركه للرخصة والتأخير.[٩]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:196
  2. ^ أ ب محمود عبد اللطيف عويضة، الجامع لأحكام الصيام، صفحة 220. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر ، الصفحة أو الرقم:1691 ، صحيح.
  4. ^ أ ب ت عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، شرح عمدة الفقه، صفحة 5، جزء 23. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1997، صحيح.
  6. حسين العوايشة، الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة، صفحة 293، جزء 4. بتصرّف.
  7. حمد الحمد، شرح زاد المستقنع، صفحة 108، جزء 11. بتصرّف.
  8. ابن قدامة، المغني، صفحة 362، جزء 5. بتصرّف.
  9. حمد الحمد، شرح زاد المستقنع، صفحة 110، جزء 11. بتصرّف.