حكم التلبية

تعدّدت آراء الفقهاء في حكم التلبية، وتوضيح أقوالهم فيما يأتي:[١]

  • مذهب الشافعية والحنابلة

قالوا إن التّلبية سنَّةٌ من سنن الإحرام، فمَن تركها صحّت عمرته أو حجّه، ولكنّه يفوّت عليه أجرها والاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، واستدلّوا بحديث ابن عمر -رضي الله عنه- بعد أن ساق لفظ تلبية النبيّ الكريم.


إذْ قال بعد ذلك: (... كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَرْكَعُ بذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ به النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الحُلَيْفَةِ، أَهَلَّ بهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ)،[٢] وقالوا إنّ فعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هنا يدلّ على الاستحباب لا الوجوب، لأنّ التلبية ذكر، فكانت سُنَّةً كسائر أذكار الحجّ والعمرة.


  • الحنفية والمالكية

نقل الخطابي عن الإمامين أبي حنيفة ومالك القول بوجوب التلبية في الحجّ والعمرة،[٣] وبناءً على ذلك فمن تركها لزمه دم.[٤]


صفة التلبية

ثبتت صفة تلبية النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: (أنَّ تَلْبِيَةَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ)،[٥] وقد كان ابن عمر -رضي الله عنه- يزيد عليها فيقول: "لبيك لبيك وسعديك، والخير بيديك والرغباء إليك والعمل".


والمراد من التلبية هو تلبية النداء وإجابة الدعوة، فقد قال الله -سبحانه- على لسان نبيّه الخليل إبراهيم -عليه السلام-: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ...)،[٦] ولذلك يُسنّ للحاج والمعتمر في التلبية أن يقولا: "لبّيك.."؛ أي نُجيب دعوتك ونداءك، ونُخلص لك هذه العبادة.[٧]


أما فيما يتعلّق بوقت التلبية فتبدأ عند الإحرام، ويستمرّ المعتمر بالتلبية إلى أن يرى الكعبة ويستلم الحجر الأسود، أمّا الحاجّ فيظلّ يُلبّي بعد إحرامه حتى يصل إلى مِنى ويبدأ برمي جمرة العقبة، فيقطع التلبية،[٨] وفي وقت مشروعية التلبية يُستحب للمُحرم أن يُلبّي في كلّ الأوقات، سواءً كان ماشياً، أم راكباً، أم قائماً، أم جالساً.[٩]


وتُستحبّ التلبية كذلك للحائض والنّفساء، فيُلبيّ المُحرم في كلّ وقت حسب المستطاع ودون أن يشقّ على نفسه، ويتأكّد استحباب التلبية عند تغير الأحوال، كطلوع النهار، وتعاقب الليل، وعند الصعود، وعند النزول، وعند الركوب، والفراغ من أداء الصلاة، وفي غيرها من الأوقات.[٩]


حكم رفع الصوت بالتلبية

يُسنّ للرجل أن يرفع صوته في التلبية، ويدلّ على ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أتاني جَبرَئيلُ فأمرَني أن آمُرَ أصحابي أن يرفَعوا أصواتَهم بالإِهلالِ وَبالتَّلبيةِ)،[١٠] وعن أبي بكر -رضي الله عنه-: (أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئل: أيُّ الحجِّ أفضلُ؟ قال: العجُّ والثجُّ).[١١]


ومعنى العجّ هو رفع الصوت بالتلبية، أمّا الثجّ فهو ذبح الهدي ونحوه ممّا يُتقرّب به إلى الله -عز وجل- في الحج،[١٢] أمّا المرأة فترفع صوتها بما يُمكّنها من سماعه، ولكن لا تُسمع الرجال بتلبيتها، بل تخفض صوتها.[١٣]

المراجع

  1. مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف، الموسوعة الفقهية، صفحة 88-89، جزء 2. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1184، صحيح.
  3. الشيخ عادل العزازي، "أحكام التلبية"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 4/5/2023. بتصرّف.
  4. حسن أبو الأشبال، شرح صحيح مسلم، صفحة 10، جزء 25. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1549، صحيح.
  6. سورة الحج، آية:27
  7. عبد الكريم الخضير، شرح عمدة الأحكام، صفحة 15، جزء 26. بتصرّف.
  8. عطية سالم، شرح بلوغ المرام، صفحة 14، جزء 172. بتصرّف.
  9. ^ أ ب أحمد حطيبة، شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة، صفحة 13، جزء 11. بتصرّف.
  10. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن السائب بن خلاد، الصفحة أو الرقم:829، صححه الألباني.
  11. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي بكر الصديق، الصفحة أو الرقم:827، صححه الألباني.
  12. محمد الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 22، جزء 115. بتصرّف.
  13. أحمد حطيبة، شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة، صفحة 13، جزء 11. بتصرّف.